كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)

لِأَنَّ الظِّهَارَ مُحَرِّمٌ، وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ مِنْهُ بِالْمَنْكُوحَةِ

(وَلَا يُعَلَّقُ اخْتِيَارٌ وَ) لَا (فَسْخٌ) كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ، وَالْمُعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَعْيِينٍ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ اخْتِيَارًا كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ بِهِ ضِمْنِيٌّ، وَالضِّمْنِيُّ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقِلِّ، فَإِنْ نَوَى بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ صَحَّ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَمَا مَرَّ

(وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ حُرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (حَصْرُ اخْتِيَارٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ مُبَاحٍ) لَهُ، إذْ يَخِفُّ بِهِ الْإِبْهَامُ، وَيَنْدَفِعُ نِكَاحُ مَنْ زَادَ، وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي خَمْسٍ. (وَعَلَيْهِ تَعْيِينُ) الْمُبَاحِ مِنْهُنَّ (وَ) عَلَيْهِ (مُؤْنَةٌ) لِلْمَوْقُوفَاتِ، (حَتَّى يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ مُبَاحَةً، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، وَتَعْبِيرِي بِالْمُؤْنَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنَّفَقَةِ. (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ الِاخْتِيَارَ أَوْ التَّعْيِينَ (حُبِسَ) إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ (فَإِنْ أَصَرَّ عُزِّرَ) بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ
(اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِوَضْعٍ) وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلنِّكَاحِ فِيهِ أَنَّ الْفَسْخَ لَمَّا زَادَ يَلْزَمُهُ الِاخْتِيَارُ لِلنِّكَاحِ فِي الْبَاقِي، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارَ الْمُخَاطَبَةِ لَهُ لِلنِّكَاحِ، وَالْفَسْخَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الِاخْتِيَارُ لِلْبَاقِي لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لَهُ ح ل. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُحَرِّمٌ) فِيهِ أَنَّهُ مُحَرِّمٌ لِلْحَلَالِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْوَطْءِ أَيْ الْحَلَالِ ح ل (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ التَّحْرِيمِ وَالِامْتِنَاعِ، وَعِبَارَةُ م ر صَرِيحَةٌ فِي كَوْنِ الضَّمِيرِ رَاجَعَا لِلظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَنَصُّهَا: لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ إلَخْ وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى كَوْنِهِمَا أَلْيَقَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا التَّبَاعُدُ عَنْ الْوَطْءِ وَهُوَ فِيهَا أَلْيَقُ اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ أَلْيَقُ مِنْهُ بِالْمَنْكُوحَةِ) الَّذِي أُلِيقَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ التَّحْرِيمِ وَمُطْلَقُ الِامْتِنَاعِ، لَا تَحْرِيمُ الْحَلَالِ وَلَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَلَالِ تَأَمَّلْ، فَلَوْ اخْتَارَ الْمُولَى مِنْهَا أَوْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لِلنِّكَاحِ حُسِبَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، فَيَصِيرُ فِي الظِّهَارِ عَائِدًا حَيْثُ لَمْ يُفَارِقْهَا بَعْدَ الِاخْتِيَارِ حَالًا ح ل وَم ر. وَقَوْلُ الْمُحَشِّيِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ التَّحْرِيمِ أَيْ الْغَيْرِ النَّاشِئِ عَنْ ظِهَارٍ، وَقَوْلُهُ وَمُطْلَقُ الِامْتِنَاعِ أَيْ الْغَيْرِ النَّاشِئِ عَنْ الْإِيلَاءِ يَعْنِي وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، بَلْ الْمَقْصُودُ التَّحْرِيمُ وَالِامْتِنَاعُ النَّاشِئَانِ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ التَّحْرِيمُ وَالِامْتِنَاعُ الْمُجَرَّدَانِ عَمَّا ذُكِرَ وَعِبَارَةُ م ر السَّابِقَةُ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا ذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَلَا فَسْخٌ) أَيْ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَوَى بِالْفَسْخِ إلَخْ وَذِكْرُ الْفَسْخِ مَعَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْفَسْخُ فِي غَيْرِ الْمُخْتَارَاتِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي؟ . فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّعْيِينِ حَالًا، قُلْنَا: يُنَافِي كَوْنَهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ التَّعْيِينُ التَّامُّ كَمَا فِي م ر. قُلْنَا: يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَلَهُ حَصَرَ اخْتِيَارَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مُبَاحٍ فَهَذَا تَعْيِينٌ غَيْرُ تَامٍّ فَكَيْفَ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالتَّعْيِينِ التَّامِّ؟ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ثُمَّ رَأَيْتُ ح ل يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْيِينُ حَالًا، وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ حَصْرُ اخْتِيَارٍ إلَخْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَجِبُ فَوْرًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ وَاجِبٌ فَوْرًا إلَّا أَنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُ أَنْ يَحْصُرَ الِاخْتِيَارَ فِي أَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ بِالتَّعْيِينِ فَوْرًا، وَيُغْتَفَرُ لَهُ إذَا طَلَبَ الْإِمْهَالَ أَنْ يُمْهَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَرِّرْ اهـ فَالتَّعْيِينُ غَيْرُ الِاخْتِيَارِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ) أَيْ وَيَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فَهُوَ كِنَايَةُ طَلَاقٍ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي بَابِهِ أَيْ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَقَّقَةِ إذَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْقَاعِدَةِ رِعَايَةً لِغَرَضِ مَنْ رَغِبَ فِي الْإِسْلَامِ وَوَجَّهَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُعْلَمْ الزَّوْجِيَّةُ، اُحْتُمِلَ مَعْنَى الطَّلَاقِ ح ل

(قَوْلُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مُبَاحٍ) كَأَنْ يَقُولَ: اخْتَرْتُ أَرْبَعَةً فِي هَذِهِ السِّتَّةِ أَوْ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ أَوْ أَكْثَرَ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُ الْمُبَاحِ مِنْهُنَّ، لِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ يَزُولُ نِكَاحُ مَنْ زَادَ فَالِاخْتِيَارُ تَعْيِينٌ لِأَمْرٍ سَابِقٍ لَا إنْشَاءُ إزَالَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا، أَوْ مِنْ إسْلَامِ السَّابِقِ مِنْهُمَا إنْ أَسْلَمَا مُرَتَّبًا ح ل، أَيْ فَالتَّعْبِيرُ بِالتَّعْيِينِ إشَارَةٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ يَزُولُ نِكَاحُ مَنْ زَادَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَعَلَيْهِ تَعْيِينُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَهُ حَصْرُ اخْتِيَارٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ مُبَاحٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَنَصُّهَا: وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ التَّامُّ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةٌ رَاجِعٌ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَنَفَقَتُهُنَّ أَيْ الْخَمْسِ وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ، إذَا لَمْ يَخْتَرْ مِنْهُنَّ شَيْئًا. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ امْتَنَعَ مِنْهُ أَصْلًا أَوْ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ مُبَاحٍ فَإِنْ اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا. (قَوْلُهُ حُبِسَ) وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبٍ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَا يَنُوبُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ وَبِهِ فَارَقَ تَطْلِيقَهُ عَلَى الْمُولِي الْآتِي وَقَوْلُهُ بِضَرْبٍ فَإِذَا بَرِئَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ كَرَّرَهُ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَخْتَارَ. اهـ. س ل (قَوْلُهُ عُزِّرَ)

الصفحة 384