كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)

قَهْرًا كَإِرْضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةِ بَاذِلِهِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي إيجَابِهِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: مَهْرٌ وَغَيْرُهُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِتَسْمِيَتِهِ فِي الْعَقْدِ، وَالْمَهْرُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ: قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(سُنَّ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ وَكُرِهَ إخْلَاؤُهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا عَنْهُ وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ وَلَا كِتَابَةَ لَمْ يُسَنَّ ذِكْرُهُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَدْ يَجِبُ لِعَارِضٍ كَأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ وَذِكْرُ كَرَاهَةِ الْإِخْلَاءِ مِنْ زِيَادَتِي

(وَمَا صَحَّ) كَوْنُهُ (ثَمَنًا صَحَّ) كَوْنُهُ (صَدَاقًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاسِدُ، وَقَوْلُهُ: كَإِرْضَاعٍ أَيْ: إرْضَاعِ الْكُبْرَى مِنْ زَوْجَتَيْهِ لِلصُّغْرَى أَوْ إرْضَاعُ أُمِّهِ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، وَقَوْلُهُ: قَهْرًا أَيْ: عَلَى الزَّوْجِ، وَيَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِلصَّغِيرَةِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ سَابِقًا: مَا وَجَبَ أَيْ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي إرْضَاعِهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَرُجُوعِ شُهُودٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِلتَّفْوِيتِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُفَوِّتَ لِلْبُضْعِ إنَّمَا هُوَ الشَّهَادَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى تَفْوِيتِ بُضْعٍ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ شُهُودُ الطَّلَاقِ ح ل أَيْ: وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِالْمَهْرِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: سُمِّيَ) أَيْ: مَا وَجَبَ بِذَلِكَ أَيْ بِالصَّدَاقِ، وَقَوْلُهُ: لِإِشْعَارِهِ أَيْ: الصَّدَاقِ (قَوْله الَّذِي هُوَ) أَيْ: النِّكَاحُ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَهْرٌ وَغَيْرُهُ) وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَهُ فَقَالَ:
صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ
ز ي أَيْ: وَالْعَلَائِقُ جَمْعُ عَلِيقَةٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ أَحَدُ أَسْمَاءِ الصَّدَاقِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ:
وَطُولُ نِكَاحٍ ثُمَّ خُرْسٌ تَمَامُهَا ... فَفَرْدٌ وَعَشْرٌ عُدَّ ذَاكَ مُوَافِقُ
، وَالْخُرْسُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَيُقَالُ فِيهِ صَدَقَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَثْلِيثِ ثَانِيهِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَوْ فَتْحِهِ مَعَ إسْكَانِ ثَانِيهِ فِيهِمَا وَبِضَمِّهِمَا وَجَمْعُهُ صَدُقَاتٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] أَيْ: عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَمْتِعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا لِكَوْنِ شَهْوَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْوَتِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِغَيْرِهِ) أَيْ: بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ} [النساء: 4] الضَّمِيرُ لِلْأَزْوَاجِ وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَلَّكُونَ الصَّدَاقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ الْتَمِسْ إلَخْ) سَبَبُهُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي إلَيْك فَسَكَتَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تُصْدِقُهَا إيَّاهُ؟ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي، فَقَالَ: إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك فَالْتَمِسْ شَيْئًا، قَالَ: لَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» أَيْ: اُطْلُبْ شَيْئًا مِنْ النَّاسِ تَجْعَلُهُ صَدَاقًا، وَلَوْ كَانَ مَا تَلْتَمِسُهُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ «، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: فَهَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» بِرْمَاوِيٌّ. فَظَهَرَ أَنَّ مُرِيدَ التَّزْوِيجِ هُوَ الزَّوْجُ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: لِمُرِيدِ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ مُرِيدَ التَّزْوِيجِ هُوَ الْوَلِيُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لِمُرِيدِ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ لَهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ. (قَوْلُهُ سُنَّ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ) وَسُنَّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَالِصَةً؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ أَقَلَّ مِنْهَا وَتَرَكَ الْمُغَالَاةَ فِيهِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةً أَصْدِقَةُ بَنَاتِهِ وَأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى أُمِّ حَبِيبَةَ شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّ صَدَاقَهَا كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانَتْ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَهَا. (قَوْلُهُ: لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا عَنْهُ) دَلِيلٌ لِسَنِّ الذِّكْرِ، وَأَمَّا الْوَاهِبَةُ نَفْسَهَا فَلَمْ يُوقِعْ لَهَا نِكَاحًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ سَمَّى الْمَهْرَ اهـ رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر، أَوْ يُقَالُ: لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا أَيْ: لِغَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَخْلَاهُ لَهُ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلِئَلَّا يُشْبِهَ) دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ أَيْ: وَذَلِكَ يُنَافِي الْخُصُوصِيَّةَ ح ل. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجِبُ) وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ عِنْدَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ) أَيْ: أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ أَيْ: وَقَدْ سَمَّى لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَرَضِيَتْ رَشِيدَةٌ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ ح ل

. (قَوْلُهُ كَوْنُهُ ثَمَنًا) فِيهِ حَذْفُ الْكَوْنِ مَعَ اسْمِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ وَفِيهِ عَمِلَ الْمَصْدَرُ مَحْذُوفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ بَعْدَ عَمَلِهِ. (قَوْلُهُ: صَحَّ كَوْنُهُ صَدَاقًا) أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ

الصفحة 404