كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 3)

وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» قَالُوا وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَحُمِلَ خَبَرُ أَبِي دَاوُد: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» عَلَى النَّدْبِ فِي وَلِيمَةٍ غَيْرِ الْعُرْسِ وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ بِظَاهِرِهِ وَذِكْرُ حُكْمِ وَلِيمَةِ غَيْرِ الْعُرْسِ مِنْ زِيَادَتِي.

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ أَوْ تُسَنُّ (بِشُرُوطٍ مِنْهَا إسْلَامُ دَاعٍ وَمَدْعُوٍّ) فَيَنْتَفِي طَلَبُ الْإِجَابَةِ مَعَ الْكَافِرِ لِانْتِفَاءِ الْمَوَدَّةِ مَعَهُ نَعَمْ تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ لَكِنَّ سَنَّهَا لَهُ دُونَ سَنِّهَا لَهُ فِي دَعْوَةِ مُسْلِمٍ

(وَعُمُومٌ) لِلدَّعْوَةِ بِأَنْ لَا يَخُصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ وَلَا غَيْرَهُمْ بَلْ يَعُمُّ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ عَشِيرَتَهُ أَوْ جِيرَانَهُ أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءً لِخَبَرِ " شَرُّ الطَّعَامِ " فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ.

(وَأَنْ يَدْعُوَ مُعَيَّنًا) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِيَحْضُرْ مَنْ شَاءَ أَوْ نَحْوَهُ.

(وَ) أَنْ يَدْعُوَهُ (لِعُرْسٍ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: بَيَانُ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَبَيَانُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ فِي إجَابَتِهَا وَهُوَ التَّوَاصُلُ وَالتَّحَابُّ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ مُوغِرٌ أَيْ مُنَفِّرٌ لِلصَّدْرِ وَمِنْ شَأْنِ التَّخْصِيصِ ذَلِكَ ح ل وَجُمْلَةٌ يُدْعَى حَالٌ مِنْ الْوَلِيمَةِ مُقَيِّدَةٌ لِكَوْنِهَا شَرًّا كَمَا قَالَهُ الْبَرْمَاوِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا أَيْ؛ لِأَنَّهَا تُدْعَى إلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ
(قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ) أَيْ الَّتِي لَا تَخْصِيصَ فِيهَا لَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَهُ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ مَعَ وَصْفِ الْوَلِيمَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ الشَّرِّ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ إذْ الشَّرُّ مِمَّا يُطْلَبُ الْبُعْدُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ أَوْ يُجَوِّزُ الْحُضُورَ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ بِرْمَاوِيٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ ع ش عَلَى م ر وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُقَالَ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا (قَوْلُهُ: قَالُوا وَالْمُرَادُ. . . إلَخْ) وَجْهُ التَّبَرِّي وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مَعَ مَجِيءِ التَّعْمِيمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ ح ل (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَ هُمْ) فَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّدْبِ فِي وَلِيمَةٍ غَيْرِ الْعُرْسِ) فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ

(قَوْلُهُ: مِنْهَا إسْلَامُ دَاعٍ) وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَدْعُوِّ حُرًّا رَشِيدًا أَوْ عَبْدًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ مُكَاتَبًا لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ أَوْ يَضُرُّ وَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ عَلَى الْأَوْجَهِ وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ وَأَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِجَابَةِ خَلْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي ظَالِمًا وَلَا فَاسِقًا وَلَا شِرِّيرًا طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ شَوْبَرِيٌّ وَأَنْ لَا يَعْتَذِرَ لِلدَّاعِي فَيَعْذُرُهُ أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَا عَنْ حَيَاءٍ بِحَسَبِ الْقَرَائِنِ وَلَا تَكُونُ كَثْرَةُ الزَّحْمَةِ عُذْرًا إنْ وَجَدَ سَعَةً لِمَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَأَمِنَ عَلَى نَحْوِ عِرْضِهِ وَإِلَّا عُذِرَ اهـ. م ر مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: دَعَاهُ ذِمِّيٌّ) أَيْ إنْ رَجَا إسْلَامَهُ أَوْ كَانَ رَحِمًا أَوْ جَارًا وَإِلَّا لَمْ تُسَنَّ بَلْ تُكْرَهْ ح ل (قَوْلُهُ: لَكِنَّ سَنَّهَا لَهُ) أَيْ فِي الْعُرْسِ وَأَمَّا لِغَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ فَهَلْ تُسَنُّ الْإِجَابَةُ أَيْضًا ح ل وَقَوْلُهُ: فِي دَعْوَةِ مُسْلِمٍ أَيْ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ إذْ الْإِجَابَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَخُصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمْ أَغْنِيَاءَ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ جِيرَانَهُ أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِمْ وَكَذَا لَوْ خَصَّ وَاحِدًا لِكَوْنِ طَعَامِهِ لَا يَكْفِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ ح ل وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُنَا مَنْ يَقْصِدُ التَّجَمُّلَ بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ وَجَاهَةٍ أَوْ جَاهٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرَهُمْ) فَإِذَا خَصَّ أَيْ الْمُتَمَكِّنُ بِدُعَائِهِ شَخْصًا لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا ز ي أَنَّهُ لَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِمْ اهـ. ح ل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ لِغِنَاهُمْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ
(قَوْلُهُ: أَوْ جِيرَانَهُ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَمَسْجِدِهِ دُونَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَالشَّرْطُ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّعْمِيمِ لِفَقْرِهِ أَوْ قِلَّةِ الطَّعَامِ فَالشَّرْطُ. . . إلَخْ أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ التَّعْمِيمُ لِجِيرَانِهِ وَعَشِيرَتِهِ مَثَلًا عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ عِنْدَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِ لِفَقْرِهِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ النَّاسِ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ لَوْ كَثُرَتْ عَشِيرَتُهُ أَوْ نَحْوُهَا وَخَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ وَكَانَ فَقِيرًا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهَا فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عُمُومِ الدَّعْوَى بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ: قَصْدَ التَّخْصِيصِ) أَيْ لِغَنِيٍّ دُونَ غَيْرِهِ زي

(قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ) بِأَنْ يُشَافِهَهُ بِالدَّعْوَةِ وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِدَعْوَتِهِ مِنْ غَيْرِ النَّائِبِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ صَبِيًّا لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ لَا بِكِنَايَةٍ كَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ أَوْ إذَا أَرَدْت أَنْ تُجَمِّلَنِي فَافْعَلْ

الصفحة 431