كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 3)

فصل في المسابقة إلى الصلاة
من قال: إنَّ الصلاة في أول الوقت أفضل استدل بقوله: «فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ» ؛ قال: لأن الصلاة خير لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «خَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلاَةُ» وظاهر الأمر بالسبق للوجوب، فإذا لم يتحقق فلا أقل من الندب.
وأيضاً قوله تعالى: {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [الحديد: 21] ومعناه: إلى ما يوجب المغفرة، والصلاة مما يوجب المغفرة، فوجب أن تكون المسابقة إليها مندوبة.
وأيضاً قوله تعالى: {والسابقون السابقون أولئك المقربون} [الواقعة: 10 - 11] .
والمراد منه: السابقون في الطاعات، والصلاة من الطاعات، وأيضاً أنه مدح الأنبياء المقدمين بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} [الأنبياء: 90] ، والصلاة من الخيرات، كما بَيّنا.
وأيضاً أنه تعالى ذم إبْليس في ترك المُسَارعة فقال: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] .
وأيضاً قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات} [البقرة: 238] والمحافظة لا تحصل إلا بالتَّعْجيل، ليأمن الفوت بالنسيان.
وأيضاً قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} [طه: 84] فثبت أن الاستعجال أولى.
وأيضاً قوله تعالى: {} [الحديد: 10] فبين أن المسابقة سبب لمزيد الفضيلة، وأيضاً ما روي عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «الصَّلاَةُ في أَوَّلِ الوَقْتِ رَضْوَانُ اللهِ وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللهِ» .
قال الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْه: رضوان الله أحب إلينا من عَفْوه.
قال الشافعي رَضِيَ اللهُ عَنْه: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يوشك أن يكون عن المقصرين.
فإن قيل: هذا الاحتجاج يقتضي أن يأثم بالتأخير، وأجمعنا على أنه لا يأثم، فلم يبق

الصفحة 60