كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 3)

[وقد راعى لفظ» من «مرة فأفرد في قوله:» يقتل «، ومعناها أخرى، فجمع في قوله:» أموات بل أحياء «] و» اللام «هنا للعلة، ولا تكون للتبليغ؛ لأنهم لم يُبَلِّغُوا الشهداء قوله هذا.
والجملة من قوله:» هم أموات «في محلّ نصب بالقول؛ لأنها محكية به.
وأما» بل هم أحياء «فيحتمل وجهين:
أحدهما: ألا يكون له محل من الإعراب، بل هو إخبار من الله - تعالى - بأنهم أحياء، ويرجحه قوله: {وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ} ؛ إذ المعنى لا شعور لكم بحياتهم.
والثاني: أن يكون محلّه النصب بقول محذوف تقديره، بل قولوا: هم أحياء، ولا يجوز أن ينتصب بالقول الأول لفساد المعنى، وحذف مفعول» يشعرون «لفهم المعنى: أي بحياتهم، والله أعلم.
قال القفال [رَحِمَهُ اللهُ:] هذا متعلق بقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45] فإنما نبلوكم بالخَوْفِ وبكذا، وفيه مسائِلُ.
فإن قيل: إنه تعالى قال: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] والشكرُ يوجب المزيدّ، لقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فكيف أردَفهُ بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف} ؟ .
[قال ابن الخطيب] : والجواب من وَجْهَيْنِ:
الأولُ: أنه - تعالى - أخبر أَنَّ إكمَالَ الشرائعِ إتمامُ النعمةِ، فكأنه كذلك موجباً للشُّكْرِ، ثم أَخبر أن القيامَ بتلك الشرائع لا يُمْكِن إِلا بتحمّل المِحَن، فلا جَرَمَ أمر فيها بالصَّبْر.
الثاني: أنه - تبارك وتعالى - أَنْعَم أولاً فأَمَر بالشكْر، ثم ابْتَلَى وأمر بالصَّبْرِ، لينال [الرجل] درجةَ الشاكرين وَالصَّابِرينَ مَعاً، فيكمل إيمانُهُ على ما قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «الإِيْمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ صَبْرٌ، وَنِصْفٌ شُكْرٌ»

الصفحة 81