كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - ثنا أَبُو الْمَلِيحِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ جَابِرٍ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَتَجْمَعَ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ» .
قَالَ يَزِيدُ: فَقُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: يَا أَبَا عَوْفٍ، الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ قَالَ: صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا ". قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَقْدَمَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَارًا فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْمُنَافِقِينَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَذْكُرُهُمْ وَيَذْكُرُ تَارِكِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» .
قُلْنَا: هَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ، وَقَدْ صَحَّتْ الْأَخْبَارُ الَّتِي صَدَّرْنَاهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمُتَخَلِّفٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ هُنَالِكَ، لَا عَلَى التَّعَارُضِ وَالتَّنَاقُضِ الْمُبْعَدَيْنِ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَصَحَّ أَنَّ هَذَا التَّفَاضُلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى صَلَاةِ الْمَعْذُورِ الَّتِي تَجُوزُ، وَهِيَ دُونَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَضْلِ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَمَنْ حَمَلَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا حَصَلَ عَلَى خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَعَلَى تَكْذِيبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ: أَنْ لَا صَلَاةَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ إلَّا لِمَعْذُورٍ، وَاسْتَخَفَّ بِوَعِيدِهِ، وَعَصَى أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي إجَابَةِ النِّدَاءِ.
وَبِأَنْ يَؤُمَّ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؟
وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا: هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} [النساء: 96] .

الصفحة 107