كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ -: قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ - وَكَانَ رَجُلًا مَبْسُورًا: «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَخُصُومُنَا لَا يُجِيزُونَ التَّنَفُّلَ بِالْإِيمَاءِ لِلصَّحِيحِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ أَفْضَلُ مِنْ آخَرَ مَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ -: إنَّ الْفُقَرَاءَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، فَعَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُمْ، فَبَلَغَ الْأَغْنِيَاءَ فَفَعَلُوهُ زَائِدًا عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ، فَذَكَرَ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِمَّنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ - وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا» .
فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَأَقْعَدَهُ عَنْهُ الْمَرَضُ أَوْ النَّوْمُ: كُتِبَ لَهُ؟ قُلْنَا: لَا نُنْكِرُ تَخْصِيصَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَهُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُهُ بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالدَّعْوَى، وَقَدْ يُكْتَبُ لَهُ الْقِيَامُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُضَاعَفُ الْأَجْرُ لِلْقَائِمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِ قِيَامِهِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ النُّصُوصِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّ النَّاسَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْقَدَمِ وَفِي مَنْزِلِ أَنَسٍ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ مَعْذُورٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِانْفِكَاكِ قَدَمِهِ، وَلَا يَخْلُو الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَنْ

الصفحة 109