كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ؟ وَلَوْ صَحَّ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ،
لِأَنَّهُمْ إنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَلَى مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ مُسَافِرٌ: أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ، إلَّا أَنْ يَجْلِسَ فِي الِاثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ يَقُومُ إلَيْهِمَا تَطَوُّعًا.
فَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ.
وَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَعَدَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ صَارَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُصَلِّيَةً فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَنَفِّلٌ، وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إنْ صَلَّى أَرْبَعًا: فَقَدْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ: أَقَرُّوا بِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَلَّوْا فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مُتَنَفِّلٌ وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ حَضَرَ، وَلَا يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى مَنْ غَابَ، وَكُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ مِنْ مُقَلِّدِي مَالِكٍ إلَى أَنْ قَالَ: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ فِي الِائْتِمَامِ بِهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي النَّافِلَةِ مَا لَيْسَ فِي الِائْتِمَامِ بِغَيْرِهِ فِي الْفَرِيضَةِ؟ -: قَالَ عَلِيٌّ: فَرَّ هَذَا الْبَائِسُ مِنْ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَاهُ الْخُصُوصَ فِيمَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: إنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ.
بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ قَالَ «صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي» .

الصفحة 146