كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: «أَنَّ سُلَيْمًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي رَجُلٌ أَعْمَلُ نَهَارِي حَتَّى إذَا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَيَأْتِينَا مُعَاذٌ وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا احْتَبَسَ صَلَّيْتُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّ سُلَيْمًا صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ؟ وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .
وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]
ثُمَّ يَكُونُ مُعَاذٌ - وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالدِّينِ - يُضَيِّعُ فَرْضَ صَلَاتِهِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَيَتْرُكُ أَدَاءَهُ، وَيَشْتَغِلُ بِالتَّنَفُّلِ، وَصَلَاةُ الْفَرْضِ قَدْ أُقِيمَتْ، حَتَّى لَا يُدْرِكَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا سِيَّمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَلَيْتَ شِعْرِي، إلَى مَنْ كَانَ يُؤَخِّرُ مُعَاذٌ صَلَاةَ فَرْضِهِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَهُ رَاغِبًا عَنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّبَاعًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؟ أَلَّا إنَّ هَذَا هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ، قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاذًا عَنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ؟
وَالرَّابِعُ - أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ السَّخِيفَ الَّذِي لَمْ يَسْتَحْيُوا مِنْ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةُ فَرْضٍ فَيَنْوِيَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ - أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْوِي بِهَا إلَّا التَّطَوُّعَ فَفِي كُلِّ حَالٍ قَدْ نَسَبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَهَذِهِ فِتْنَةُ سُوءٍ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي أَنْ يَنْسُبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بِلَا مَعْنًى؟
وَالْخَامِسُ - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إذْ جَوَّزْتُمْ لِمُعَاذٍ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاذٌ لَمْ يُصَلِّ ذَلِكَ الْفَرْضَ بَعْدُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي فَرْضَهُ -: فَأَيُّ فَرْقٍ فِي شَرِيعَةٍ، أَوْ فِي مَعْقُولٍ بَيْنَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ خَلْفَ مُصَلِّي فَرِيضَةٍ، وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ

الصفحة 149