كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

مِنْهُ مِنْ صَلَاةِ فَرْضٍ خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً، وَكِلَاهُمَا اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ، وَلَا فَرْقَ؟ فَهَلَّا قَاسُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ؟ وَهَلَّا قَاسُوا جَوَازَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْحَاجِّ تَطَوُّعًا مِنْ الْأَئِمَّةِ، يَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ وَيَأْتَمُّ بِهِ فِي حَجِّهِ؟ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهِ، وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَكِنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ فِيمَا شَغَلُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَتَرَكُوا السُّنَنَ؟ فَكَيْفَ بِمَا لَا يَشْتَغِلُونَ بِهِ مِنْ طَلَبِ السُّنَنِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ هُنَا بِكَلَامٍ يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَمْرُورِينَ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ بَعْضَ سَبَبِ التَّطَوُّعِ سَبَبُ الْفَرِيضَةِ، وَأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً لَا يَنْوِي بِهَا شَيْئًا كَانَ دَاخِلًا فِي نَافِلَةٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَلَامٌ لَا يَفْهَمُهُ قَائِلُهُ فَكَيْفَ سَامِعُهُ وَحَقُّ قَائِلِهِ سُكْنَى الْمَارَسْتَانِ وَمُعَانَاةُ دِمَاغِهِ وَيُقَالُ لَهُ: اجْعَلْ هَذَا الْكَلَامَ حُجَّةً فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟ وَأَيْضًا: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، بَلْ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً لَا يَنْوِي بِهَا شَيْئًا فَلَيْسَ مُصَلِّيًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .
فَنَحْنُ نَدِينُ بِأَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُمَخْرِقِ بِالْهَذَيَانِ؟
ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ وَاضِحُ الْمَعْنَى، وَكَانَ يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ أَوْ اجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعِي» أَيْ لَا تُصَلِّ بِهِمْ إذَا لَمْ تُخَفِّفْ بِهِمْ، وَاقْتَصِرْ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَلَاتُك مَعِي فَقَطْ، هَذَا مُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ سِوَاهُ؟ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: «وَكَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَيُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.»

الصفحة 150