كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وَهَذَا لَا بَيَانَ فِيهِ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِغَيْرِ الصُّبْحِ كَمَا أَمَرَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] فَالْأَمْرُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَعَاقَبُ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَقُرْآنُ الْعَصْرِ مَشْهُودٌ كَقُرْآنِ الْفَجْرِ وَلَا فَرْقَ.
وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] دَلِيلٌ أَنَّ قُرْآنَ غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ مَشْهُودًا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا بَلْ كُلُّهَا مَشْهُودٌ بِلَا شَكٍّ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَصْعَبُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُصَلِّينَ، فِي الشِّتَاءِ: لِلْبَرْدِ، وَفِي الصَّيْفِ: لِلنَّوْمِ، وَقِصَرِ اللَّيَالِيِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ أَصْلًا عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى، وَالظُّهْرُ يَشْتَدُّ فِيهَا الْحَرُّ حَتَّى تَكُونَ أَصْعَبَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»
وَلَا يَحِلُّ الْإِخْبَارُ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: نَجْعَلُ كُلَّ صَلَاةٍ هِيَ الْوُسْطَى قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَلَاةً وَاحِدَةً، فَلَا يَحِلُّ حَمْلُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

الصفحة 172