كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

بِأُولَى مِنْ بَعْضٍ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُورِدَتْ عَنْ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُبَيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -: الَّتِي فِيهَا " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " وَاَلَّتِي فِيهَا " صَلَاةُ الْعَصْرِ " عَنْهُمْ " بِلَا وَاوٍ " حَاشَا حَفْصَةَ وَكَيْفَ تَقُولُونَ فِي الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهَا الْيَوْمَ؟ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ الَّذِي يُظَنُّ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ اخْتِلَافًا، بَلْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَعَ " الْوَاوِ " وَمَعَ إسْقَاطِهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهَا تَعْطِفُ الصِّفَةَ عَلَى الصِّفَةِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.
وَكَمَا تَقُولُ: أَكْرِمْ إخْوَانَك، وَأَبَا زَيْدٍ الْكَرِيمِ وَالْحَسِيبِ أَخَا مُحَمَّدٍ فَأَبُو زَيْدٍ هُوَ الْحَسِيبُ، وَهُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ.
فَقَوْلُهُ " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " بَيَانٌ لِلصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَهِيَ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» فَلَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَصْلًا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ حَمْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» عَلَى أَنَّهَا عَطْفُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ وَلَا بُدَّ وَيُبَيِّنُ أَيْضًا صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْهُمْ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ عَنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ " وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ ".
وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ نُزُولَ الْآيَةِ فِيهَا " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " فَصَحَّ أَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهَا صِفَةٌ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهِيَ سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْلُوهَا كَذَلِكَ، وَبِهَذَا ارْتَفَعَ الِاضْطِرَابُ عَنْهُمْ، وَتَتَّفِقُ أَقْوَالُهُمْ، وَيَصِحُّ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الِاخْتِلَافُ، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ اضْطِرَابٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الصفحة 177