كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

إلَّا أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَا فِي خَبَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَهْرِهِ، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُقَالَ ذَلِكَ
وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
وَالْمَرْءُ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مَرَّةً فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْأَمْرُ بِتَرْدِيدِ ذَلِكَ مَقَادِيرَ مَعْلُومَةً، أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا وَمَنْ قَالَ: إنَّ تَكْرَارَ مَا أُمِرَ بِهِ يَلْزَمُ -: كَانَ كَلَامُهُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ يُكَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا حَدَّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَأَدَّى إلَى بُطْلَانِ كُلِّ شُغْلٍ، وَبُطْلَانِ سَائِرِ الْأَوَامِرِ، وَهَذَا هُوَ الْإِصْرُ وَالْحَرَجُ اللَّذَانِ قَدْ آمَنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمَا وَإِنَّمَا كَرِهْنَا تَرْكَهُ، لِأَنَّهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ لَا يَزْهَدُ فِيهِ إلَّا مَحْرُومٌ وَصَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ فَرْضٌ.
قَالَ: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ، فَأَمَّا السَّلَامُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَعَلَّمَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ "
وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُمْ: «وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ» قَالُوا: فَالصَّلَاةُ فَرْضٌ حَيْثُ السَّلَامُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ حَيْثُ يَكُونُ السَّلَامُ: لَكَانَ مَا قَالُوهُ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَحْكُمَ بِمَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَيَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ يُقَنِّت لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَشَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الصِّيَامَ فَرْضٌ فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الِاعْتِكَافَ مَعَ ذِكْرِهِ لِلصَّوْمِ -: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ

الصفحة 52