كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

أَنَّ كَوْنَ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ: تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ: مُسِنَّةٌ - مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ زَكَاتَهَا كَزَكَاةِ الْإِبِلِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي نَسْخِ الْقُنُوتِ حُجَّةً، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَسْخِ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ حُجَّةٌ فَلَيْسَ هُوَ هَهُنَا حُجَّةً؟ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ هَهُنَا خِلَافَ ابْنِ عُمَرَ، وَخِلَافَ سَالِمٍ ابْنِهِ، وَخِلَافَ الزُّهْرِيِّ، وَهُمَا عَالِمَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ بِقَوْلِ سَالِمٍ: أَحْدَثَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَرَى حُجَّةَ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَعَدَلَ النَّاسُ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْقُنُوتُ سُنَّةً مَا خَفِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ؟ فَقُلْنَا: قَدْ خَفِيَ وَضْعُ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَثَبَتَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّطْبِيقِ إلَى أَنْ مَاتَ، وَخَفِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً، فَمَا بَالُ خَفَاءِ الْقُنُوتِ عَنْهُمَا صَارَ حُجَّةً؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ، مَعَ أَنَّ الْقُنُوتَ مُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى، لِأَنَّهُ سُكُوتٌ مُتَّصِلٌ بِالْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ، لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ سَأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ فَرْضًا فَيَعْلَمُهُ النَّاسُ وَلَا بُدَّ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَلْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا، دَعَا عَلَى نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] »

الصفحة 58