كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهُ، فَهَذَا حُجَّةٌ فِي بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ جَهِلَ الْقُنُوتَ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَهُوَ مَوْضِعُ إنْكَارٍ، وَتَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ، فَهُوَ أَوْلَى، لِئَلَّا يَجْعَلَ كَلَامَهُ خِلَافًا لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْأَمْرَ لَهُ، لَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ أُولَئِكَ الْمَلْعُونِينَ لَعَلَّهُ تَعَالَى يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ: أَنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ فَقَطْ؟ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْقُنُوتَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ؟ : وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ قَالَا " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلَّا إذَا حَارَبَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ، وَلَا قَنَتَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عُثْمَانُ، حَتَّى مَاتُوا، وَلَا قَنَتَ عَلِيٌّ حَتَّى حَارَبَ أَهْلَ الشَّامِ، فَكَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقْنُتُ أَيْضًا، يَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ " قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَفِيهِ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَقْنُتُوا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ بِأَثْبَتَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ
وَالْمُثْبِتُ الْعَالِمُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ
أَوْ نَقُولُ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَكِلَاهُمَا مُبَاحٌ؟ وَفِيهِ - لَوْ انْسَنَدَ - إثْبَاتُ الْقُنُوتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ؟ وَعَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُحَارَبَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا - لَوْ ثَبَتَ - وَنَحْنُ غَانُونَ عَنْهُ بِالثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؟

الصفحة 59