كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 3)

قُلْنَا: كَمْ قِصَّةٍ لَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خَالَفْتُمُوهَا؟ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ لَهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَيْثُ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ بِخِلَافِهَا -: كَأَمْرِهَا الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إيجَابًا وَمَعَهَا فِي ذَلِكَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَعَهَا السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ.
وَكَإِمَامَتِهَا هِيَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: النِّسَاءَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا فِي مَكَان لَمْ يَحِلَّ فِي كُلِّ مَكَان، وَإِنْ كَانَ خِلَافُهَا لِلسُّنَّةِ مُبَاحًا فِي مَوْضِعٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ

[مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ]
476 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ -: قَامَ الْمُفِيقُ وَنَزَلَ الْآمِنُ، وَبَنَيَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمَا، وَأَتَمَّا مَا بَقِيَ، وَصَلَاتُهُمَا تَامَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَا مَضَى مِنْهَا أَقَلُّهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا التَّكْبِيرُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا السَّلَامُ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؟ .
وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ صَحِيحًا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا أَصَارَهُ إلَى الْقُعُودِ، أَوْ إلَى الْإِيمَاءِ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. أَوْ خَافَ فَاضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ وَالرَّكْضِ وَالدِّفَاعِ -: فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؟» . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمِنَ بَعْدَ الْخَوْفِ فَنَزَلَ بَنَى وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَافَ بَعْدَ الْأَمْنِ فَرَكِبَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَتَفْرِيقٌ - عَلَى أَصْلِهِ - بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.

الصفحة 91