كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 3)

ولا يقضى بها دين ميت، لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه لا سيما من الميت ولا يشتري بها رقبة تعتق، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث ذهب إليه في تأويل قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا وهم عليهما، وليس مرادهما عمارة الجسور والطريق، بل معناه إعطاء الزكاة لمن يبني الجسور والطريق من العشار الذين يقيمهم السلطان لأخذهم الزكاة والعشور، وأن ذلك يسقط الغرض، ووجه الوهم أنما قال: ما أعطيت من الجسور والطريق، ولم يقولا في الجسور.
كذا في كتاب أبي عبيد، وقد أصلحه بعض من نظر فيه فضرب على من والحق في ليستقيم الكلام على المعنى الذي توهمه، ولم يعلم أن الرواية صواب، وإنما الوهم في معناهما.
م: (ولا يقضى بها دين ميت لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه) ش: أي من الغير، بدليل أن الدائن والمديون إذا تصرفا على أن لا دين بينهما، وللمؤدي أن يسترد المقبوض من القابض فلم يصر هو ملكا للقابض، وإنما قيده بقوله دين ميت، فإنه لو قضى بها دين حي بأمره يجوز، وتقع الزكاة كأنه تصدق على المديون، والقابض وكيل في قبض الصدقة كذا في " شرح الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا الولوالجي لو أمر فقيرا بقبض دين له من زكاة ماله جاز، لأنه قبض عينا والعين تجوز عن العين والدين جميعا، أما لو تصدق بمال على الذي هو له عليه دين وهو فقير جاز عن ذلك، ولم يجز عن العين، لأن في الوجه الأول أدى المال الناقص عن الناقص فيجوز، وفي الوجه الثاني أدى الناقص عن الكامل فلا يجوز. وقال أبو ثور وابن حبيب من المالكية: يقضي بها دين الميت، وجعلاه من الغانمين، والصحيح ما ذكرناه.
وبه قال الثوري ومالك والشافعي وأحمد م: (لا سيما من الميت) ش: كان في نسخة الأترازي وقع سيما بدون لا، فقال: هذا على خلاف استعمال العرب، لأن قياس كلامهم أن يقال لا سيما وهي من كلمات الاستثناء، قال صاحب " المقتصد ": أما لا سيما فله وجهان، أحدهما أن يقول كما في القوم لا سيما زائدة فيجر وتجعل ما زائدة، كأنك قلت: لا سي زيد بمنزلة لا مثل زيد.
والوجه الثاني: أن تقول: لا سيما زيد فتجعل ما بمعنى الذي، وزيد خبر مبتدأ محذوف كأنك قلت لا سي الذي هو زيد، وقيل الجر بعد لا سيما كثير والرفع قليل، وقد يجوز النصب وهو الأقل، انتهى. وقال الميداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الهادي للساري ": إن لا سيما كلمة تخصيص، أي أخص ما يذكر بعده إذا قلت: أكرمني الناس، لا سيما زيد أي خاصة زيد. م: (ولا يشتري بها) ش: أي بالزكاة م: (رقبة تعتق، خلافا لمالك حيث ذهب إليه) ش: أي إلى جواز شراء العبد بالزكاة لأن يعتق، وبه قال إسحاق وأبو ثور وعبد الله بن الحسن العنبري، ورواه البخاري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (في تأويل قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] ش:

الصفحة 463