كتاب أسنى المطالب في شرح روض الطالب (اسم الجزء: 3)

نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ إجَازَةُ نَفْسِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَلَوْ قِيلَ يَدْخُلُ وَيُعْطَى نَصِيبَهُ كَانَ أَوْجَهَ وَأَنْسَبَ بِمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي تِلْكَ لَا يَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ وَيَبْطُلُ نَصِيبُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ) فِيمَا ذُكِرَ (أَقْرَبُ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ) الْمُوصِي لِأَقَارِبِهِ (وَبَعْدَ) الْجَدِّ (قَبِيلَةٌ) فَيَرْتَقِي فِي بَنِي الْأَعْمَامِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَلَا مَنْ فَوْقَهُ (فَالْحَسَنِيُّونَ لَا يُشَارِكُهُمْ الْحُسَيْنِيُّونَ) أَيْ فَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ حَسَنِيٍّ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ وَأَوْلَادِ الْحُسَيْنِ، وَلِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَنِهِ لِأَوْلَادِ شَافِعٍ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ، أَوْ لِأَقَارِبِ مَنْ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَنِنَا لِأَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ.
وَقَوْلِي فِي الْأُولَى: فِي زَمَنِهِ تَبِعْتُ فِيهِ الْأَصْلَ وَغَيْرَهُ وَلَا حَاجَة إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافُ الْمُرَادِ (وَيَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَوْ كَانَ) الْمُوصِي (عَرَبِيًّا) لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهَا قَرَابَةً وَلَا يُفْتَخَرُ بِهَا، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ، لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ: الْأَقْوَى الدُّخُولُ، وَأَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَتَوْجِيهُ عَدَمِ الدُّخُولِ بِمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (كَالرَّحِمِ) فِي أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لَهَا قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، إذْ لَفْظُ " الرَّحِمِ " لَا يَخْتَصُّ بِطَرَفِ الْأَبِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ فِيهَا الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ) كَمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُمْ عِنْد عَدَمِهِمْ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَهُمْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ، وَهَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ أَقَارِبُ عُرْفَا.
(تُقَدَّمُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَتُقَدَّمُ (الذُّرِّيَّةُ مُطْلَقَا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَمْ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ عَلَى الْآبَاءِ (الْأَعْلَى) مِنْهُمْ (فَالْأَعْلَى) لِقُوَّةِ عُصُوبَتِهِمْ وَإِرْثِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ (الْأَبَوَانِ) عَلَى مَنْ فَوْقَهُمَا وَعَلَى الْحَوَاشِي (وَالْأَخُ) مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ (يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ لِقُوَّةِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ مُرَادًا (وَكَذَا) تُقَدَّمُ (ذُرِّيَّتُهُ) أَيْ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ لِذَلِكَ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ (الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) لِذَلِكَ، وَكَالْأَخِ وَذُرِّيَّتِهِ فِيمَا ذُكِرَ الْأُخْتُ وَذُرِّيَّتُهَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ (وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ) بَعْدَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ (سَوَاءٌ) فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمْ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ، وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ عَلَى جَدِّ الْأُمِّ وَجَدَّتِهَا (وَكَذَا الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ سَوَاءٌ، وَابْنُ الْأَبَوَيْنِ) مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَأَوْلَادُهُمْ (يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَحَدِهِمَا) لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الِابْنِ بِالْوَلَدِ كَانَ أَعَمَّ.
(وَالْأَخُ لِأُمٍّ) يُقَدَّمُ (عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ دَرَجَةً) فِي الْجِهَةِ (كَيْفَ كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ) فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِأَبٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ عَلَى ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ فُرُوعِي قَرِيبُ الدَّرَجَةِ وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ (فَالْبَعِيدُ مِنْ الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ كَابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ) وَلَا تَرْجِيحَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ، كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْقُرْب، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَفِي تَقْدِيمِ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةٍ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُتَابَعٌ فِيهِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَأْخَذُ ثَمَّ اسْمُ الْجَدَّةِ، وَهُنَا مَعْنَى الْأَقْرَبِيَّةِ، فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْوَقْفِ.
(فَرْعٌ) : لَوْ (أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِب زَيْدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ) الصَّرْفِ إلَى (ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَقْرَبِينَ (فَلَوْ زَادُوا) عَلَيْهِمْ (اسْتَوْعَبَهُمْ) لِئَلَّا تَصِيرَ وَصِيَّةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الْجِهَةُ، فَلَوْ قَالَ: فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْأَقْرَبِينَ كَانَ أَخْصَرَ (وَإِنْ) وَجَدْنَا مِنْهُمْ دُونَ ثَلَاثَةٍ تَمَمْنَاهَا مِمَّنْ يَلِيهِمْ، فَإِنْ (وَجَدْنَا ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ) وَبَنِي ابْنِ ابْنٍ دَفَعْنَا إلَى الِابْن ثُلُثًا وَإِلَى ابْنِ الِابْنِ ثُلُثًا آخَرَ ثُمَّ (تَمَّمْنَا) الثَّلَاثَ (مِنْ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ) وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، بَلْ (لِأَهْلِهَا الثُّلُثُ) -
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي تِلْكَ: لَا يَدْخُلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَرَبِيًّا) قَالَ جَمَالُ الدِّينِ: الْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا مِنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَرَبِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِلُغَتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْأَعْجَمِيِّ، قَالَ: وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ لُغَتَهُمْ وَيَعْتَقِدَ اعْتِقَادَهُمْ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ أَنَّهُ الْمُنْتَصَرُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: دَخَلَ فِيهَا الْأَبَوَانِ إلَخْ) دُخُولُ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى دُخُولِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ إذَا كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَلْفَاظِ الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ: وَالْأَخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأُمِّ وَابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ وَفِي وَقْفٍ انْقَطَعَ مَصْرِفُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا يُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَلَا ابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ إلَّا هُنَا وَفِي الْوَلَاءِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعَمِّ عَلَى أَبِي الْجَدِّ كَمَا فِي الْوَلَاءِ.
(قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا: إذَا صَدَرَ مِنْ وَاقِفٍ وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادٍ هَكَذَا فِي جَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْقِبْ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ، يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِذَلِكَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَقْرَبِيَّةٌ إلَى الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِجِهَتَيْنِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إعْمَالًا لِلَفْظِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

الصفحة 53