كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

وَالسَّلَامُ كَانَ كَذَلِكَ

(وَيُكْرَهُ) (الْمَبِيتُ بِهَا) أَيْ الْمَقْبَرَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَفِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بَعْدَ الْكَرَاهَةِ فِي الْقَبْرِ الْمُنْفَرِدِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مَسْكُونٍ اهـ.
وَالتَّفْرِقَةُ أَوْجَهُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ التُّرَبِ مَسْكُونَةٌ كَالْبُيُوتِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَنِنَا فِي الْمَبِيتِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ زِيَارَةٍ لَمْ يُكْرَهْ

(وَيُنْدَبُ) (سِتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ رَجُلًا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَرَ قَبْرَ ابْنِ مُعَاذٍ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِمَا عَدَاهُ يَظْهَرُ مِمَّا كَانَ يَجِبُ سِتْرُهُ، وَهُوَ لِلْأُنْثَى آكَدُ مِنْهُ لِغَيْرِهَا وَلِلْخُنْثَى آكَدُ مِنْ الرَّجُلِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ) مَنْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ (بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِلِاتِّبَاعِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ مِنْ الدُّعَاءِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ (وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ) فِي الْقَبْرِ (شَيْءٌ) مِنْ الْفِرَاشِ (وَلَا) يُوضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ جَمْعُهَا مَخَادُّ بِفَتْحِهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُوضَعُ الْخَدُّ عَلَيْهَا: أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ: أَيْ لَكِنَّهُ لِغَرَضٍ قَدْ يُقْصَدُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمُعَلَّلِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ إضَاعَتِهِ حَيْثُ لَا غَرَضَ أَصْلًا، وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعِلَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ» بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا عِلْمِهِمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اسْتِيعَابٍ، وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ خُرُوجِهَا فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ وَكِيعٍ، بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ بَدَلَ الْمِخَدَّةِ حَجَرًا أَوْ لَبِنَةً، وَيُفْضَى بِخَدِّهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ فَدَعْوَى أَنَّ فِيهِ رَكَّةً؛ لِأَنَّ الْمِخَدَّةَ غَيْرُ مَفْرُوشَةٍ، فَإِنْ أُخْرِجَتْ مِنْ الْفَرْشِ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَامِلٌ يَرْفَعُهَا عَجِيبَةً، وَكَأَنَّ قَائِلَهُ غَفَلَ عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ
وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
عَطَفَ الْعُيُونَ لَفْظًا عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُتَعَذِّرِ إضْمَارًا لِعَامِلِهِ الْمُنَاسِبِ وَهُوَ كَحَّلْنَ فَكَذَا هُنَا كَمَا قَدَّرْته، (وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ (إلَّا فِي أَرْضٍ نَدِيَّةٍ أَوْ رِخْوَةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا ضِدَّ الشَّدِيدَةِ، وَحُكِيَ فِيهَا أَيْضًا الضَّمُّ فَلَا يُكْرَهُ
لِلْمَصْلَحَةِ
، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ تَهَرَّى الْمَيِّتُ لِلَدْغٍ أَوْ حَرِيقٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا التَّابُوتُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَمَا إذَا كَانَتْ امْرَأَةً وَلَا مَحْرَمَ لَهَا بِدَفْنِهَا لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي.
قَالَ فِي الْمُتَوَسِّطِ: وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْتَحَقَ بِذَلِكَ دَفْنُهُ بِأَرْضِ الرَّمْلِ الدَّمِثَةِ وَالْبَوَادِي الْكَثِيرَةِ الضِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ السِّبَاعِ النَّبَّاشَةِ، وَكَانَ لَا يَعْصِمُهُ مِنْهَا إلَّا التَّابُوتُ

(وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (الدَّفْنُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُفِنَ لَيْلًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا، أَمَّا مَوْتَى أَهْلِ الذِّمَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا قَبْلَ الِانْدِرَاسِ وَبَعْدَهُ

(قَوْلُهُ: عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِيهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي النَّعْشِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا (قَوْلُهُ: سَتَرَ قَبْرَ ابْنِ مُعَاذٍ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاشَرَهُ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ (قَوْلُهُ مَنْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ) أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ كَاللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ أَبْوَابِ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَوَسِّعْ لَهُ فِي قَبْرِهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ) أَيْ مَا لَا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ: لِلَدْغٍ أَوْ حَرِيقٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ لَا يَعْصِمُهُ مِنْهَا إلَّا التَّابُوتُ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: بَلْ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُهُ فِي مَسْأَلَةِ السِّبَاعِ إنْ غَلَبَ وُجُودُهَا

وَمَسْأَلَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمَبِيتُ بِالْمَقْبَرَةِ]
قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهَا عَلَى مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

الصفحة 30