كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

حَصَلَ لَهُ قِيرَاطٌ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهَا

(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ) أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ، وَيُقَالُ هُوَ النُّورَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَلَهُ قِيرَاطَانِ: أَيْ قِيرَاطٌ مَضْمُومٌ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلَى قَوْلِهِ {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] أَيْ يَوْمَيْنِ مَضْمُومَيْنِ إلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11] إلَى قَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةُ أَيَّامٍ، وَهَذَا الْقِيرَاطُ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَمِيعِ عَمَلِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ عَمَلِ الْمَيِّتِ، أَوْ هُوَ قِيرَاطٌ مِنْ أَنْوَاعِ عَمَلِهِ: أَيْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَنْوَاعِ عَمَلِهِ لِأَنَّا إذَا عَدَدْنَا الْأَعْمَالَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمَيِّتِ مِنْ تَحْوِيلِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَتَلْقِينِهِ الشَّهَادَةَ، وَقِرَاءَةِ سُورَةِ يس، وَتَغْمِيضِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ وَتَسْجِيَتِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَوَضْعِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى حِينِ يُدْفَنُ كَانَتْ أَنْوَاعُ ذَلِكَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ هَكَذَا قَالَ، وَمَا قَالَهُ وَتَكَلَّفَهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْمَيِّتَ مِنْ حِينِ يُحَوَّلُ إلَى الْقِبْلَةِ إلَى حِينِ يُدْفَنُ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الصَّيْدِ مِنْ بَابِ الِاثْنَيْنِ: قَالَ السَّرَّاجُ بْنُ الْمُلَقِّنِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ جِنَازَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَصَلَّى عَلَيْهِمَا صَلَاةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ قِيرَاطٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَبَطَ الْقِيرَاطَ بِوَصْفٍ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ دَفْعَةً أَوْ دَفَعَاتٍ اهـ كَلَامُهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي ابْنَ الْعِمَادِ: وَتَعَدُّدُ الْقِيرَاطِ فِيهَا لِتَعَدُّدِ الْأَمْوَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَ الْكَرَمِ وَاسِعٌ، وَلَفْظُ الْحَدِيثُ «مَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ أَجْرٍ فَإِنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الشُّمُولِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» يَعْنِي قِيرَاطَ الصَّلَاةِ وَقِيرَاطَ الدَّفْنِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا مِنْ الْبَدَائِعِ لِابْنِ الْقَيِّمِ مَا نَصُّهُ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيرَاطِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى رَأَيْت لِابْنِ عَقِيلٍ كَلَامًا قَالَ: الْقِيرَاطُ نِصْفُ سُدُسِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا جِنْسَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ ثَوَابُ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالُهُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا يَبْلُغُ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ الْأَجْرُ الْعَائِدُ إلَى الْمَيِّتِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ صَبْرٌ عَلَى الْمُصَابِ فِيهِ وَبِهِ وَتَجْهِيزُهُ وَغُسْلُهُ وَالتَّعْزِيَةُ بِهِ وَحَمْلُ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِهِ وَتَسْكِينُهُمْ، وَهَذَا مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ، فَكَانَ لِلْمُصَلِّي وَالْجَالِسِ إلَى أَنْ يُقْبَرَ مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ سُدُسُ دِينَارٍ وَنِصْفُ سُدُسِهِ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قُلْت: كَانَ مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الْحَاصِلِ عَلَى تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْفِرَاقِ إلَى وَضْعِهِ فِي لَحْدِهِ وَقَضَاءِ حَقِّ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ دِينَارًا، فَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَطْ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ نِصْفُ سُدُسٍ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْهُ وَهُمَا سُدُسُهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ نِسْبَةُ الْقِيرَاطِ إلَى الْأَجْرِ الْكَامِلِ فِي نَفْسِهِ وَكُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ كَانَ الْقِيرَاطُ مِنْهُ بِحَسَبِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ نُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ أَوْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَهُوَ سُدُسُ أَجْرِ عَمَلِهِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ صِغَرُهُ وَكِبَرُهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ مَثَلًا نُقِصَ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ حَسَنَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ كَذَا النُّسْخَةُ، وَصَوَابُهُ أَلْفَا حَسَنَةٍ اهـ مَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَنْ الْبَدَائِعِ.
وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قِيرَاطَ الْجِنَازَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْكَلْبُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: «مِنْ الْأَجْرِ» .
وَالْقِيرَاطُ بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصْلُهُ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ قَرَارِيطُ، فَأُبْدِلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءً.
قَالَ: وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: الدَّانِقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقِيرَاطُ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الدِّرْهَمِ.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: الْقِيرَاطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 32