كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمُ نَزْعِ نَوَى التَّمْرِ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلْفَسَادِ غَالِبًا، فَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِهِ فِي بَعْضِ النَّوَاحِي إلَّا عَلَى مَا يَأْتِي فِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ عَنْ جَمْعٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ مِشْمِشٍ، وَفِي اللَّحْمِ انْتِفَاءُ عَظْمٍ وَمِلْحٍ يُؤَثِّرُ فِي وَزْنٍ وَتَنَاهِي جَفَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ وَقَلِيلُ الرُّطُوبَةِ يُؤَثِّرُ فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ التَّمْرِ، وَمِنْ ثَمَّ بَيْعُ جَدِيدِهِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رُطُوبَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ بِعَتِيقِهِ لَا بُرٍّ بِبُرٍّ ابْتَلَّا. وَإِنْ جَفَّا. وَاعْلَمْ أَنَّ شُرَّاحَ هَذَا الْكِتَابِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي فَهْمِ قَوْلِهِ (وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ) الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ بَيْعِ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ (أَوَّلًا) فَمَنْ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِمَّا مَرَّ الْمُقْتَضِي لِلنَّظَرِ إلَى آخِرِ الْأَحْوَالِ مُطْلَقًا الْعَرَايَا الْآتِيَةِ، لِأَنَّ الْكَمَالَ فِيهَا بِتَقْدِيرِ جَفَافِ الرَّطْبِ اُعْتُبِرَ أَوَّلُ أَحْوَالِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ، أَوْ نَحْوُ عَصِيرِ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ لِاعْتِبَارِ كَمَالِهِ عِنْدَ أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَا غَيْرَ كَامِلَيْنِ أَوْ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّرْعِ، وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ جَمْعٌ، وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّ أَقْرَبَهَا أَوَّلُهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، إذْ كَمَالُ الْأَخِيرَيْنِ وَتَعَدُّدُهُ بِتَعَدُّدِ أَحْوَالِهِمَا مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْعَرَايَا، وَأَيْضًا فَهِيَ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ مَعَ انْتِفَاءِ الْكَمَالِ فِيهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِهِمَا فَهِيَ أَحْرَى بِالِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ رُبَّمَا إذَا نَظَرَ لِهَذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِهَا

وَإِذَا تَقَرَّرَ اشْتِرَاطُ الْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ (فَلَا يُبَاعُ رَطْبٌ بِرَطْبٍ) بِفَتْحِ الرَّاءَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، فَكَانَ الْغَرَضُ مِنْ السُّؤَالِ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْجَفَافِ لِتَحَقُّقِ النُّقْصَانِ وَامْتِنَاعَ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ لِجَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ كَذَا فِي الْإِسْنَوِيِّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَمَحَلُّ تَحَقُّقِ النُّقْصَانِ فِي بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْجَفَافِ إذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُوَازَنَةً، أَمَّا لَوْ اُعْتُبِرَ جَفَافُ الرَّطْبِ تَقْدِيرًا فَهُوَ مِنْ جَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ (قَوْلُهُ فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ) أَيْ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَنَّ الْجَفَافَ لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَاسْتِمْرَارِ الْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ: عَدَمُ نَزْعِ نَوَى التَّمْرِ) هَلْ مِنْهُ الْعَجْوَةُ الْمَنْزُوعَةُ النَّوَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ تُدَّخَرُ عَادَةً وَلَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ نَزْعَ نَوَاهَا يُعَرِّضُهَا لِلْفَسَادِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ رُطَبًا نُزِعَ نَوَاهُ أَوْ تَمْرًا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ التَّمْرِ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهَا مُسْتَفَادٌ مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرُّطَبِ فَالْفَسَادُ فِيهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُبَاعُ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلَا بِجَافٍّ وَالرُّطُوبَةُ فِيهَا مُتَفَاوِتَةٌ، وَمِثْلُهَا بِالْأَوْلَى الَّتِي بِنَوَاهَا؛ لِأَنَّ النَّوَى فِيهَا غَيْرُ كَامِنٍ (قَوْلُهُ: فَلَا عِبْرَةَ) أَيْ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَقَوْلُهُ إلَّا عَلَى مَا يَأْتِي فِي نَحْوِ إلَخْ: أَيْ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْآتِي (قَوْلُهُ فِي نَحْوِ مِشْمِشٍ) مِنْ النَّحْوِ الْخَوْخُ (قَوْلُهُ: وَفِي اللَّحْمِ انْتِفَاءُ عَظْمٍ) أَيْ مُطْلَقًا كَثُرَ أَوْ قَلَّ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَزْنِ كَكَثِيرِهِ، وَمِنْ الْعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مَعَ اللَّحْمِ كَأَطْرَافِهِ الرِّقَاقِ (قَوْلُهُ يُؤَثِّرُ) قَيْدٌ فِي الْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِلْإِصْلَاحِ فَاغْتُفِرَ قَلِيلُهُ دُونَ كَثِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَقَلِيلُ الرُّطُوبَةِ يُؤَثِّرُ فِيهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً جِدًّا كَانَتْ كَالْمِلْحِ فَلَا تَضُرُّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ التَّمْرِ) أَيْ مِمَّا مِعْيَارُهُ الْكَيْلُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَنَاهِي جَفَافِهِ.
(قَوْلُهُ: بَيْعُ جَدِيدِهِ) أَيْ التَّمْرِ (قَوْلُهُ: ابْتَلَّا) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَفَّا) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا) عِبَارَةُ حَجّ: عِنْدَ أَوَّلِ خُرُوجِهِ مِنْهُمَا اهـ. وَهِيَ وَاضِحَةٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ أَقْرَبَهَا أَوَّلُهَا) أَيْ الْعَرَايَا لَمْ يَصْلُحْ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِهَا: أَيْ وَلِهَذَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ كَالشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُبَاعُ رَطْبٌ بِرَطْبٍ) تَفْرِيعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ عَصِيرِ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ) الْمُنَاسِبُ فِي هَذَا وَفِيمَا بَعْدَهُ تَصْدِيرُهُ بِقَوْلِهِ وَمِنْ ذَاهِبٍ، وَإِلَّا فَهَذَا الصَّنِيعُ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَمْثِلَةٌ لِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: لِاعْتِبَارِ كَمَالِهِ عِنْدَ أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا) عِبَارَةٌ مَقْلُوبَةٌ، وَالْمُنَاسِبُ لِاعْتِبَارِ كَمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ أَوَّلِهِ

(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الرَّاءَيْنِ) هَذَا يَأْبَاهُ مُقَابَلَتُهُ بِخُصُوصِ التَّمْرِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَتَكُونُ مُقَابَلَتُهُ بِالتَّمْرِ قَرِينَةَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ

الصفحة 435