كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

ثُمَّ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لَهُ قَسِيمًا لِلَّبَنِ مَعَ أَنَّهُ قِسْمٌ مِنْهُ، مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا حَدَثَ لَهُ مِنْ الْمَخْضِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ قَسِيمٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ قِسْمًا فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ كَثِيرٍ بِذَلِكَ مِمَّنْ شَرَحَ الْكِتَابَ، وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّمْنَ إنْ كَانَ مَائِعًا فَمِعْيَارُهُ الْكَيْلُ أَوْ جَامِدًا فَالْوَزْنُ كَمَا هُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِصِيغَةِ قِيلَ (وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ وَتَرْكِهِ (وَالْأَقِطِ) وَالْمَصْلِ وَالزُّبْدِ لِمُخَالَطَةِ الْإِنْفَحَةِ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ الْمَخِيضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلٍّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ، وَلَا بِخَالِصٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَلَا بَيْعُ زُبْدٍ بِسَمْنٍ وَلَا لَبَنٍ بِمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ كَسَمْنٍ وَمَخِيضٍ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صِحَّةُ بَيْعِ اللَّبَنِ بِبَعْضِهِ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدًا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ حِينَئِذٍ مُمْتَزِجَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا. وَخَالَفَ الْعَسَلُ بِشَمَعِهِ لِامْتِيَازِ الْعَسَلِ عَنْ الشَّمَعِ

(وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ) كَاللَّحْمِ (أَوْ الْقَلْيِ) كَالسِّمْسِمِ (أَوْ الشَّيِّ) كَالْبَيْضِ أَوْ الْعَقْدِ كَالدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَاللِّبَا لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ لَا غَايَةَ لَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِلَطَافَةِ نَارِهَا: أَيْ انْضِبَاطِهَا وَلِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَخَرَجَ بِالطَّبْخِ وَمَا بَعْدَهُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ الْحَرَارَةُ فَقَطْ كَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَتَأْثِيرُ التَّمْيِيزِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ) لِلنَّارِ (كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، إذْ ذَلِكَ فِي الْعَسَلِ لِتَمْيِيزِ الشَّمْعِ وَفِي السَّمْنِ لِتَمْيِيزِ اللَّبَنِ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ فَيُبَاعُ كُلٌّ بِمِثْلِهِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ لَا قَبْلَهُ، وَفَارَقَ بَيْعُ التَّمْرِ بِبَعْضِهِ وَفِيهِ نَوَاهُ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودٍ، بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَاجْتِمَاعُهُمَا مُفْضٍ لِلْجَهَالَةِ.
نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا عُقِدَتْ أَجْزَاءُ السَّمْنِ لَمْ يُبَعْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ.

(وَإِذَا) (جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ) أَيْ عَقْدَ الْمَبِيعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَانَ يَصْفِقُ يَدَ الْآخَرِ عِنْدَ الْبَيْعِ.
وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَأَنْ قَابَلَا الْمُدَّ بِالْمُدِّ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ، وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ التَّفْصِيلِ كَذِكْرِهِ، وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مَحَلُّ نَظَرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ تَكْفِ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا، وَلَا يُنَافِيه مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِلِاغْتِفَارِ فِي الصِّيغَةِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (رِبَوِيًّا) أَيْ جِنْسًا وَاحِدًا غَيْرَ تَابِعٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) وَلَوْ ضِمْنًا كَسِمْسِمٍ بِدُهْنِهِ، إذْ بُرُوزُ مِثْلِ الْكَامِنِ فِيهِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى الْقَلِيلِ مِنْهُ مَخِيضًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لَهُ) أَيْ الْمَخِيضِ (قَوْلُهُ: حَتَّى صَارَ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ حَتَّى (قَوْلُهُ: وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَدُهْنٌ مَائِعٌ لَا جَامِدٌ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: كَالْجُبْنِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ (قَوْلُهُ: وَالْمَصْلُ) الْمَصْلُ وَالْمُصَالَةُ: مَا سَالَ مِنْ الْأَقِطِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا بِخَالِصٍ) أَيْ بِلَبَنٍ خَالِصٍ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ زُبْدٍ بِسَمْنٍ) أَيْ وَلَا بَيْعُ سَمْنٍ بِجُبْنٍ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَ الْعَسَلُ بِشَمْعِهِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (قَوْلُهُ: عَنْ الشَّمْعِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الشَّمَعُ بِفَتْحَتَيْنِ الَّذِي يُسْتَصْبَحُ بِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّدُونَ يُسَكِّنُونَهُ وَالشَّمْعَةُ أَخَصُّ مِنْهُ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الشَّمْعَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْضًا وَأَنَّهُ مِمَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ.

(قَوْلُهُ: كَالدِّبْسِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَبِكِسْرَتَيْنِ عَسَلُ التَّمْرِ وَعَسَلُ النَّحْلِ قَامُوس (قَوْلُهُ: وَاللِّبَا) بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ) هِيَ الدِّبْسُ وَالسُّكَّرُ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا أَثَّرَتْ) أَيْ النَّارُ (قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ تَأَثُّرَ غَيْرِهِ اهـ حَجّ عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَتَأْثِيرُ التَّمْيِيزِ) أَيْ وَخَرَجَ تَأْثِيرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ بَيْعُ التَّمْرِ) أَيْ جَوَازُ بَيْعٍ (قَوْلُهُ: فَاجْتِمَاعُهُمَا) أَيْ الشَّمَعُ مَعَ الْعَسَلِ (قَوْلُهُ: أَنَّهَا عُقِدَتْ) أَيْ النَّارُ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ يَصْفِقَ) بَابُهُ ضَرَبَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مِنْ كَوْن نِيَّةِ التَّفْصِيلِ) أَيْ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ ضِمْنًا) أَيْ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا مَثَّلَ. أَمَّا إذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا حَدَثَ لَهُ) خَبَرُ قَوْلِهِ مُرَادُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصِّفَةَ حِينَئِذٍ مُمْتَزِجَةٌ) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ مُسَامَحَةٌ ظَاهِرَةٌ

(قَوْلُهُ: لَوْ تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ إلَخْ) أَيْ فَمَفْهُومُ الْمَتْنِ فِيهِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ التَّفْصِيلِ) أَيْ فِي الثَّمَنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضِمْنًا)

الصفحة 439