كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

بِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ، وَقِيمَةُ الْمُكَسَّرَةِ دُونَ قِيمَةِ الصِّحَاحِ فِي الْكُلِّ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ الْآتِي إنَّمَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا خَشِنٌ أَوْ أَسْوَدُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ السَّوَادُ وَالْخُشُونَةُ لَيْسَ عَيْنًا أُخْرَى مَضْمُومَةً لِذَلِكَ الطَّرَفِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فِي الْعِوَضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَ الطَّبَرِيِّ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ اشْتَمَلَ عَلَى عَيْنَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ إحْدَاهُمَا الْخَشِنَةُ أَوْ سَوْدَاءُ، وَكَذَا لَوْ بَانَتْ إحْدَاهُمَا مُخْتَلِطَةً بِنَحْوِ نُحَاسٍ (فَبَاطِلَةٌ) وَلَا يَجِيءُ هُنَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَالْقَائِلُ بِتَفْرِيقِهَا غَالِطٌ، إذْ شَرْطُ الصِّحَّةِ عِلْمُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ فِيمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا فَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَسَادَ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْعَقْدِ عَلَى خَمْسِ نِسْوَةٍ مَعًا لِخَبَرِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقٌ بِذَهَبٍ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَالَ فَضَالَةُ: فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَنْ يُوَزَّعَ مَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّوْزِيعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ، فَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ إنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَدِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمٍ فَحَدُّ الدِّرْهَمَيْنِ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا مُدٍّ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَيْهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ (قَوْلُهُ دُونَ قِيمَةِ الصِّحَاحِ فِي الْكُلِّ) أَيْ أَمَّا لَوْ بَاعَ رَدِيئًا وَجَيِّدًا بِمِثْلِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّدِيءِ دُونَ قِيمَةِ الْجَيِّدِ أَمْ لَا. وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الرَّدِيءِ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: هَذَا الشَّرْطُ لَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ خَاصَّةً، فَكَأَنَّ الشَّيْخَ أَلْحَقَ هَذَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ مُجَرَّدُ صِفَةٍ اهـ. وَأَقُولُ: لَا يَخْلُو هَذَا الْإِلْحَاقُ عَنْ شَيْءٍ وَالْفَرْقُ مُمْكِنٌ اهـ.
أَقُولُ: لَعَلَّهُ أَنَّ الصِّحَاحَ وَالْمُكَسَّرَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ النَّقْدِ الَّذِي بِهِ التَّعَامُلُ كَانَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ مُحَقَّقَةً فَصَحَّ فِي حَالَةِ التَّسَاوِي، بِخِلَافِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا تَعْتَمِدُ التَّخْمِينَ، فَبَطَلَ فِي صُورَةِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ مُطْلَقًا وَفِي صُورَةِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَسَّرَةِ دُونَ قِيمَةِ الصِّحَاحِ فَتَأَمَّلْهُ، هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ فَحَيْثُ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: أَنَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ عَيْبٌ فِي الْعِوَضِ) كَذَا قِيلَ: أَيْ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الصِّحَّةِ، وَقَوْلُهُ وَمَعْلُومٌ مُرَادُهُ بِهِ دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الطَّبَرِيِّ وَجَعْلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ فَلَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَ الطَّبَرِيِّ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَ إلَخْ دَعْوَى ظُهُورِ ذَلِكَ مَعَ تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ وَأَحَدُهُمَا خَشِنٌ أَوْ أَسْوَدُ لَا يَخْفَى مَا فِيهَا. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ يُعَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذُكِرَ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ عَيْنَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ نُحَاسٍ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ فَضَالَةَ) دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ (قَوْلُهُ: مُعَلَّقٌ بِذَهَبٍ) أَيْ مَعَ ذَهَبٍ (قَوْلُهُ: ابْتَاعَهَا رَجُلٌ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ وَقَعَ صُورَةُ الْبَيْعِ مِنْ الرَّجُلِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَنْهَجِهِ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ اهـ.
وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلْبَيْعِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا صُورَةُ عَقْدٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ يَكُونُ غَرَضُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي صَدَرَ فَاسِدٌ وَأَنَّ الطَّرِيقَ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا إفْرَادُ كُلٍّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْخَرَزِ بِعَقْدٍ (قَوْلُهُ: لَا حَتَّى يُمَيِّزَ) عِبَارَةُ حَجّ: «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ قِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ بِذَهَبٍ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا أَرَدْت الْحِجَارَةَ فَقَالَ لَا حَتَّى: يُمَيِّزَ» إلَخْ (قَوْلُهُ فَرَدَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَصَلَ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْخَارِجِ لَكِنْ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ فَضَالَةَ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَتْنِ

الصفحة 442