كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 3)

مِمَّا تَقَرَّرَ اخْتِصَاصُ تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ وَلَوْ تَمْرًا وَزَبِيبًا فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ.

وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَوْ قَاضِيًا التَّسْعِيرُ فِي قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُعْذَرُ مُخَالِفُهُ لِلِاقْتِيَاتِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ إذْ الْحَجْرُ عَلَى شَخْصٍ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالُوا بِتَفْرِيعِهِ عَلَى جَوَازِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ.

(وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَوَلَدَهَا وَلَوْ مِنْ مُسْتَوْلَدَةٍ حَدَثَ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ (التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ) الرَّقِيقَةِ وَإِنْ رَضِيَتْ أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ مَجْنُونَةً لَهَا شُعُورٌ تَتَضَرَّرُ مَعَهُ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ آبِقَةٌ فَمَا يَظْهَرُ (وَالْوَلَدُ) الرَّقِيقُ الصَّغِيرُ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ لِطِفْلِهِ مَثَلًا وَقَبِلَهُ لَهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَبِيعَهَا عَنْ وَلَدِهِ فَيَحْصُلُ التَّفْرِيقُ أَوْ هِبَةٌ أَوْ قَرْضٌ أَوْ قِسْمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِخَبَرِ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَخَبَرِ «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا» فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ بِعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ إذْ الْمُعْتِقُ مُحْسِنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلَهُ كِفَايَةُ سَنَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ. وَانْظُرْ مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتْرُكُ لَهُ مَا يَكْفِيه فِيهَا (قَوْلُهُ: بِالْأَقْوَاتِ) وَكَذَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا كَالْأُدْمِ وَالْفَوَاكِهِ عُبَابٌ اهـ سم. وَخَرَجَ بِالْأَقْوَاتِ الْأَمْتِعَةُ فَلَا يَحْرُمُ احْتِكَارُهَا مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِلِاقْتِيَاتِ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ بَاطِنًا وَأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمُجَرَّدِ الِاقْتِيَاتِ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ) أَيْ وَيَجُوزُ (قَوْلُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ) يَعْنِي أَنَّ التَّعْزِيرَ الْمُخَالِفَ لَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى الْجَوَازِ خَاصَّةً بَلْ حُكْمُهُ أَنَّهُ حَيْثُ خَالَفَ مَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ عُزِّرَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ الْجَوَازِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ إنْ قُلْنَا بِحُرْمَةِ التَّسْعِيرِ عَلَى الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ.

(قَوْلُهُ: حَدَثَ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ رَكِبَتْ الدُّيُونُ السَّيِّدَ قَالَ سم: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَيُبَاعُ الْفَرْعُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّفْرِيقِ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ الْحُرْمَةُ. وَنُقِلَ عَنْ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ بِالدَّرْسِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: التَّفْرِيقُ) وَيَكُونُ كَبِيرَةً اهـ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ (قَوْلُهُ: أَوْ آبِقَةً) أَيْ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْ عَوْدِهَا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ قِسْمَةٌ) أَيْ وَلَوْ إفْرَازًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ تَعْذِيبٌ وَالْجَنَّةُ لَا تَعْذِيبَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْقِفِ فَكُلٌّ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْرِيقِ. وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ أَنَّهُ فِي الْمَوْقِفِ وَأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا مَشْغُولِينَ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْمَوْقِفِ بَلْ فِيهَا أَحْوَالٌ يَجْتَمِعُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالتَّفْرِيقُ فِيهَا تَعْذِيبٌ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا جَازَ) قَدْ يُقَالُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ التَّفْرِيقُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَةِ وَفَرْعِهَا حَيْثُ كَانَا فِي تَصَرُّفِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَالِكَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَمَا مَعْنَى حُرْمَةِ التَّفْرِيقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ اخْتِلَاطٌ وَاتِّحَادٌ كَأَخَوَيْنِ فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَالْمَالِكُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِلَافِهِ بُعْدُ الْأَمَةِ عَنْ فَرْعِهَا وَلَا عَكْسُهُ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ مَا يَمْلِكُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الرَّقِيقُ الصَّغِيرُ) أَيْ أَوْ الْمَجْنُونُ كَمَا يَأْتِي بِمَا فِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُهُ (قَوْلُهُ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ) هَذَا أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ عَلَى مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَوَلَدَهَا لِشُمُولِهِ مَا إذَا كَانَا مَمْلُوكَيْنِ لِمَحْجُورِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا، ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مُخْرِجٌ لِمَا إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلْيُرَاجَعْ الْحُكْمُ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ قِسْمَةً) وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَكُونُ هُنَا إلَّا بَيْعًا، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا» إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَبِيعَهَا)

الصفحة 473