كتاب التلخيص الحبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا1، وَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا طُرُقٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ2، وَابْنِ مَسْعُودٍ3، وَابْنِ عَبَّاسٍ4، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ5، لَكِنْ حَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْمَأَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ وَيَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ.
__________
= الحكم، ثم يبحث بعد ذلك عن العلة التي تتفق وحكمه.
وقد ذهب قلة من العلماء إلى أن تلقي الركبان للشراء منهم غير محرم بحال محتمين بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام. حيث عبر بكذا نتلقى، وهي صيغة دالة على التكرار، والنبي عليه الصلاة والسلام مع معرفته بهذا لم ينكره عليهم، وإنما أنكر على المشترين أن يبيعوا الطعام حيث شروه وأوجب عليهم أن يهبطوا به السوق أولا، وهذا أمر وراء التلقي للركبان للشراء منهم.
وهذا مذهب ضعيف غاية الضعف؛ لأن النهي عن التلقي للشراء قد ثبت بأحاديث أخر أصح وأصرح على أنه لا مانع من العمل بموجب الحديثين معا، فيكون التلقي للشراء منهم حرام، والبيع حيث الشراء حرام مراعاة للجانبين جانب الركبان، وجانب أهل الأمصار.
والذي يظهر أن هذا الحديث يصلح متمسكا للحنفية والمالكية في قصرهم علة النهي عن تلقي الركبان على دفع الضرر عن أهل المصر، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاهم عن بيع ما شروا من الجلب، حتى يهبطوا السوق، وهذا طبعا مقصود منه مصلحة أهل الأمصار، فيكون النهي عن تلقي الركبان للشراء منهم مقصودا منه مصلحة أهل الأمصار أيضا.
ولكنه مع ذلك متمسك ضعيف؛ لأنه إثبات الخيار للركبان إذا هبطوا السوق يجعلهم مقصودين من النهي أيضا.
ينظر: الخيارات في البيع لشيخنا محمد عبد الرحمن مندور، وينظر: المحلى 8/450، مغني المحتاج 2/37، تكملة المجموع 12/327.
1 أخرجه مسلم 3/1157، كتاب البيوع: باب تحريم تلقي الجلب حديث 17/1519، وأحمد 2/487-488، وأبو داود 3/718، كتاب البيوع: باب في التلقي حديث 3437، والترمذي 3/524، كاب البيوع: باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع حديث 1221، والنسائي 7/257، كتاب البيوع: باب التلقي، وابن ماجة 2/775، كتاب: التجارات: باب النهي عن تلقي السلع والبيهقي في السنن الكبرى 5/348، كتاب البيوع: باب النهي عن تلقي السلع.
وأخرجه البخاري 4/373، كتاب البيوع: باب النهي عن تلقي الركبان حديث 2162، عنه بلفظ: نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تلقي الركبان وأن يبيع حاضر لباد.
2 أخرجه البخاري 4/375، كتاب البيوع: باب منتهى التلقي حديث 2166، 2167، ومسلم 3/1156، كتاب البيوع: باب تحريم تلقي الجلب، حديث 14/1517.
3 أخرجه البخاري 4/373، كتاب البيوع: باب النهي عن تلقي الر كبان حديث 2164، ومسلم 3/1156، كتاب البيوع: باب تحريم تلقي الجلب حديث 15/1518، عن ابن مسعود قال: نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تلقي البيوع.
4 تقدم تخريج حديث ابن عباس.
5 تقدم.

الصفحة 39