كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 33
أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم ، وقال : أنا عند الذي يسركم محمد أذن ، ولو قد سمع
كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره ، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه ، فإنها نعم
العون لنا ولكم ، فلما رأوا ذلك منه قالوا : أرسل إلى أخواننا ، فأرسل عبد الله بن أبي إلى
طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا ، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم
ولزم بعضهم بعضاً من الفرح وهم قيام ، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) عن
دينه .
فقال عبد الله بن أبي :
أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد ، أقول : إنا
معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير ، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد ، ونحن
كل يوم منه في مزيد ، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير ، ولكن لو شاء محمد
قبل أمراً كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا ، ويذهب ذكره في
الآخرين على أن يقول : إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ، ولهما ذكر ومنفعة
على طاعتهما ، هذا قولى له .
قال أبو سفيان : نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل ، فإن محمداً زعموا أنه لن يبقى بها
أحداً منا في شدة بغضه إيانا ، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي
أصحابه يوم أحد . قال عبد الله بن أبي : إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر ، هو أكرم من
ذلك ، وأوفى بالعهد منا ، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' مرحباً بأبي
سفيان اللهم اهد قلبه ' ، فقال أبو سفيان : اللهم يسر الذي هو خير ، فجلسوا فتكلموا
وعبد الله بن أبي ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ارفض ذكر اللات والعزة ومناة ، حجر يعبد بأرض
هذيل ، وقل : إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما ، فنظر إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وشق
عليه قولهم ، فقال عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه : ائذن لي يا رسول الله في قتلهم ،
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إني قد أعطيتهم العهد والميثاق ' ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لو شعرت أنكم
تأتون هذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان ' .
فقال أبو سفيان : ما بأس بهذا أن قوماً استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمراً ، فأما
إذا قطعت رجاءهم ، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم ، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك
وأصحابك ، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوباً مقتولاً ،
وكنت في الأرض خائفاً لا يقبلك أحد ، فزجرهم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ،
فقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم ،

الصفحة 33