كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 415
ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد سبأ الوليد ، والله لئن صبأ لتصبون قريش
كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل
حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لي أراك يا ابن أخي
حزيناً ؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على
كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه ، فغضب الوليد عند
ذلك ، وقال : أو ليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالاً وولداً ، وهل يشبع محمد
وأصحابه من الطعام ، فيكون لهم فضل ؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت
قول محمد من أجل ذلك .
فقام الوليد فانطلق مع أبي جهل ، حتى أتى مجلس قوه بني مخزوم ، فقال : تزعمون أن
محمداً كاهن ، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : ويزعمون أن
محمداً شاعر ، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : وتزعمون أن
محمدً كذاب ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط ؟ قالوا : اللهم لا ، وكان يسمى محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه المغالة كلها .
فقالت قريش : وما هو أبا المغيرة ؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم نظر
فيما يقول عنه ، ثم عبس وجهه ، ويسر يعني وكلح ، فذلك قوله عز وجل : ( إنه فكر وقدر ( ، وما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول الله تبارك وتعالى : ( فقتل ( يعني
لعن ) كيف قدر ( لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) السحر ، ثم نظر ، ثم عبس ، يقول : كلح وبسر ، يعني
وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان ) واستكبر عنه فقال ( الوليد لقومه : ( إ ن هذا (
الذي يقول محمد ) إلا سحر يؤثر ( فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة ؟ وفرحوا ،
فقال : شئ يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد يأثره ، ولما يحذفه بعد
وأيم الله ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله ، وبين فلان وبين
أبيه ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر
عن مسليمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول : يرويه عنه ، فذلك قوله : ( إن هذا إلا سحر يؤثر ( يقول : إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر .
قال الوليد بن المغيرة : عن يسار أبي فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب ،
فجعل الله له سقر ، وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك الوليد شقى ذلك على
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما لم يشق عليه ، فيما قذف بغيره من الكذب ، فأنزل الله تعالى على نبيه ( صلى الله عليه وسلم )