كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 521
بحضرتهم من العرب ، فننسف بناءها ، ونبيح دماءها ، وننتهب أموالها ، وتمنح حفائرها من
شئت من سوامك ، ونحن لك على ذلك مؤازرون ، فاعزم إذا شئت أو أحببت أيها الملك ،
فأرسل الملك الأسود بن مقصود ، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض ، فأخرج
كتائبه جماهير معهم الفيل ، واسمه محمود ، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكة
في حجائل تضيق عليهم الطرق ، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب ، جد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
مسومة وإبل ، فاستاقها .
فركب الراعي فرساً له أعوجياً كان يعده لعبد المطلب ، فأمعن في السير حتى دخل
مكة ، فصعد إلى الصفا فرقي عليه ، ثم نادى بصوت رفيع : يا صباحاه ، يا صباحاه ، أتتكم
السودان معها فيلها ، يريدون أن يهدموا كعبتكم ، ويدعوا عزكم ، ويبيحوا دماءكم ،
وينتهبوا أموالكم ، ويستأصلوا بيضتكم ، فالنجاء النجاء ، ثم قصد إلى عبد المطلب ، فأخبره
الأمر كله ، فركب عبد المطلب فرسه ، ثم أمعن جاداً في السير حتى هجم على عسكر
القوم ، فاستفتح له أبرهة بن الصباح ، وحجر بن شراحيل ، وكانا خلين ، فقالا : لعبد
المطلب ارجع إلى قومك ، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم حمياً أتيا ، فقال عبد
المطلب : واللات و العزى ، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي ، ولقاحي ، فلما عرفا أنه غير
راجع ونازع عن قوله قصداً به إلى النجاشي ، فقالا : كهيئة المستهزئين يستهزئان به : أيها
الملك ، أودد عليه أبله وخياله ، فإنما هو وقومه لك بالغداة ، فأمر بردها .
فقال عبد المطلب للنجاشي : هل لك إلى أن أعطيك أهلي ومالي ، وأهل قومي ،
وأموالهم ، ولقاحهم على أن تنصرف عن كعبة الله ؟ قال : لا ، فسار عبد المطلب بإبله
وخيله ، حتى أحرزها ، ونزل النجاشي ذا المجاز ، موضع سوق الجاهلية ، ومعه من العدد
والعدة كثير ، وانذعرت قريش وأعروا مكة ، فلحقوا بجبل حراء وثبير ، وما بينها من
الجبال ، وقال عبد المطلب لقريش : واللات ، والعزى لا أبرح البيت حتى يقضى الله
قضاءه ، فقد نبأني أجدادي أن للكعبة ، ربا يمنعها ، ولن تغلب النصرانية ، وهذه الجنود
جنود الله ، وبمكة يومئذٍ أبو مسعود الثقفي جد المختار ، وكان مكفوف البصر ، يقيظ
بالطائف ، ويشتو بمكة ، وكان رجلاً نبيلاً تستقسم الأمور برأيه ، وهو أول فاتق ، وأول
راتق ، وكان خلا لعبد المطلب ، فقال له عبد المطلب : يا أبا مسعود ، ماذا عندك هذا يوم
لا يتغنى عن رأيك ، قال له أبو مسعود : اصعد بنا الجبل حتى نتمكن فيه ، فصعدا الجبل
فتمكنا فيه ، فقال أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى ما ترى من إبلك ، فاجعلها حرماً