كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 522
لله ، وقلدها نعالاً ، ثم أرسلها في حرم الله ، فلعل بعض هؤلاء السودان أن يعقروها ،
فيغضب رب هذا البيت ، فيأخذهم عند غضبه ، ففعل ذلك عبد المطلب ، فعمد القوم إلى
تلك الإبل ، فحملوا عليها وعقروا بعضها ، فقال عبد المطلب عند ذلك ، وهو يبكي :
يا رب إن العبد يمنع رحله فأمنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك
) فلم أسمع بأرجس من رجال
أرادوا العز فانتهكوا حراملك
فإن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك العز فانتهكوا حرامك
ثم دعا عليهم فقال : الله أخز الأسود بن مقصود ، الآخذ الهجمة بعد التقليد ، قلبها
إلى طماطم سود ، بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود ، ويهدم البيت الحرم المصمود ،
قد أجمعوا ألا يكون لك عمود ، أخفرهم ربي فأنت محمود .
فقال أبو مسعود : إن لهذا البيت رباً يمنعه منعة ونحن له فلا ندري ما منعه ، فقد نزل
تبع ملك اليمن بصحن هذا البيت ، وأراد هدمه ، فمنعه الله عن ذلك ، وابتلاه وأظلم
عليهم ثلاثة أيام ، فلما رأى ذلك تبع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظمه ، ونحر له
جزراً ، ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب : انظر نحو البحر ما ترى ؟ فقال : أرى طيراً بيضاً
قد انساب مع شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال : أراها قد أزرت على
رءوسنا ، فقال : هل تعرفها ؟ قال : لا والله ما أعرفها ، ما هي بنجدية ، ولا تهامية ، ولا
غربية ، ولا شرقية ، ولا يمانية ، ولا شامية ، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة .
قال : ما قدرها ؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف قد
أقبلت ، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضاً ، أمام كل رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار ،
أسود الرأس ، طويل العنق ، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رءوسهم ، فلما
توافتها الرعال كلها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها ، يقال : إنه
كان مكتوباً على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت ، فقال
أبو مسعود : لأمر ما هو كائن ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة
أو ربوتين ، فلم يؤنسا أحداً ، ثم دنوا فمشيا ربوة ، أو ربوتين أيضاً ، فلم يسمعا همساً ،
فقالا : عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياماً لا يسمع لهم ركزاً ، وكانا قبل ذلك
يسمعان صياحهم ، وجلبة في أسواقهم ، فلما دنيا من عسكرهم ، فإذا هم خامدون يقع
الحجر في بيضة الرجل فيخرقها ، حتى يقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة ، حتى يغيب

الصفحة 522