كتاب تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (اسم الجزء: 3)

وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمع موسى، بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا» قال أبو هريرة والله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر أخرجه البخاري ومسلم وللبخاري، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى شيء من جسده استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى العصا وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، ورأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله إن بالحجر لندبا من أثر الضرب ثلاثا أو أربعا أو خمسا» فذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً الأدرة عظم الخصية لنفخة فيها، وقوله فجمح أي أسرع وقوله ثوبي حجر أي دع ثوبي يا حجر قوله وطفق أي جعل يضرب الحجر، وقوله ندبا هو بفتح النون والدال وهو الأصح وأصله أثر الجرح، إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به الضرب، بالحجر، والمحدثون يقولون ندبا بسكون الدال وقيل في معنى الآية أن أذاهم إياه، أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله فأمر الله تعالى الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله فبرأه الله مما قالوا: وقيل إن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله، وبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون (ق) عن عبد الله بن مسعود قال «لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم في القسمة فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فأتيته فأخبرته بما قال:
فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» الصرف بكسر الصاد صبغ أحمر يصبغ به الأديم. قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً.
قال ابن عباس صوابا وقيل: عدلا وقيل صدقا وقيل قول هو لا إله إلا الله يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً أي ظفر بالخير العظيم.
قوله عز وجل إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ الآية قال ابن عباس: أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم وقال ابن مسعود: الأمانة أداء الصلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث، وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان وأشد من هذا كله الودائع وقيل: جميع ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الصوم وغسل الجنابة وما يخفى من الشرائع، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال: هذه الأمانة استودعكها فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، وفي رواية عن ابن عباس هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا، ولا معاهدا في شيء لا في قليل ولا كثير فعرض الله تعالى هذه الأمانة على أعيان السموات والأرض والجبال وهذا قول جماعة من التابعين وأكثر السلف فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن وما فيها قال:
إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله تعالى: أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة لأمره، وكان العرض عليهم تخييرا لا إلزاما، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها والجمادات كلها خاضعة لله عز وجل، مطيعة لأمره ساجدة له قال

الصفحة 438