كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة (اسم الجزء: 3)

واللّبانات تلين وتجمح، والمآرب تدنو وتنزح، وتحرن ثم تسمح «1» ، وكم من شجاع خام «2» ، ويقظ نام، ودليل أخطأ الطريق، وأضلّ الفريق، والله عزّ وجلّ يجعلها خلّة موصولة، وشملا أكنافه بالخير مشمولة، وبنية أركانها لركاب «3» اليمن مأمولة، حتى يكثر «4» خدم سيدي وجواريه، وأسرته وسراريه، وتضفو عليه نعمة «5» باريه، ما طورد قنيص، واقتحم عيص «6» ، وأدرك مرام عويص «7» ، وأعطي زاهد وحرم حريص، والسّلام.
تواليفه: شرح «8» القصيدة المسماة بالبردة «9» شرحا بديعا، دلّ فيه على انفساح ذرعه، وتفنّن إدراكه، وغزارة حفظه. ولخّص كثيرا من كتب ابن رشد.
وعلّق للسلطان أيام نظره في العلوم «10» العقلية تقييدا مفيدا في المنطق، ولخّص محصّل الإمام فخر الدين ابن الخطيب «11» الرازي. وبذلك «12» داعبته أول لقية لقيته «13» [ببعض منازل الأشراف، في سبيل المبرّة بمدينة فاس،] «14» فقلت له:
لي عليك مطالبة، فإنك لخّصت «محصّلي» . وألّف كتابا في الحساب. وشرع في هذه الأيام في شرح الرّجز الصادر عني في أصول الفقه، بشيء لا غاية وراءه «15» في الكمال. وأمّا نثره وسلطانيّاته، مرسلها ومسجعها «16» ، فخلج بلاغة، ورياض فنون، ومعادن إبداع، يفرغ عنها يراعه الجريء، شبيهة البداءات بالخواتم، في نداوة الحروف، وقرب العهد بجرية المداد، ونفوذ أمر القريحة، واسترسال الطبع.
وأما نظمه، فنهض لهذا العهد قدما في ميدان الشّعر، وأغري «17» نقده باعتبار أساليبه؛ فانثال عليه جوّه، وهان عليه صعبه، فأتى منه بكل غريبة. من «18» ذلك قوله يخاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة

الصفحة 386