كتاب المبدع في شرح المقنع (اسم الجزء: 3)

بِالْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا فِي الْمَصَالِحِ، وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُسْنَدِ عُمَرَ " كَانَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
(وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ، قُسِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ، فَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغَنِيِّ كَالْفَقِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتَحَقُّوهُ بِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَصَحُّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - لِلْفُقَرَاءِ،
وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي حَقِّهِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ
؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ مِنَ الْعَدُوِّ بِالْعُدَّةِ، وَلَا بِالْهَرَبِ لِفَقْرِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعَبِيدُ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ كَالْبَهَائِمِ، وَأَعْطَى الصِّدِّيقُ الْعَبِيدَ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.
فَرْعٌ: لَيْسَ لِوُلَاةِ الْفَيْءِ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ كَالْإِقْطَاعِ يَصْرِفُونَهُ فِيمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَنْ يَهْوَوْنَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَبْدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ) جَمْعُ مُهَاجِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَاجَرَ بِمَعْنَى: هَجَرَ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أُخْرَى، وَتُطْلَقُ الْهِجْرَةُ، بِأَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَيَنْقَطِعَ بِنَفْسِهِ إِلَى مُهَاجِرِهِ، وَلَا يَرْجِعَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَهِجْرَةُ الْأَعْرَابِ: وَهُوَ أَنْ يَدَعَ الْبَادِيَةَ، وَيَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْأَجْرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا: أَوْلَادُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ، وَخَرَجُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَمَاعَةٌ مَخْصُوصُونَ (ثُمَّ الْأَنْصَارُ) وَهُمُ الْحَيَّانِ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ. وَقُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِسَابِقَتِهِمْ وَآثَارِهِمُ الْجَمِيلَةِ. (ثُمَّ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ) لِيَحْصُلَ التَّعْمِيمُ بِالدَّفْعِ، وَصَرَّحَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْعَرَبَ تُقَدَّمَ عَلَى الْعَجَمِ وَالْمَوَالِي.
(وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ) بِالسَّابِقَةِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يُسَوِّي بَيْنَهُمْ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَهِيَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ (وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ

الصفحة 349