كتاب المبدع في شرح المقنع (اسم الجزء: 3)

وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ. وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ، سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ. وَقِيلَ فِيمَنْ لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ.
1 -
(وَتُقَسَّمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ؛ (فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) وَهِيَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) وَهِيَ دِينَارَانِ (وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ) وَهِيَ دِينَارٌ لِفِعْلِ عُمَرَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ.
وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ، قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، وَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَيْسَتْ عِوَضًا عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى النِّسَاءِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُنَّ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ عَدْلِهِ مَعَافِرٌ، وَلِتَغْلِيبِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا، وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهِمْ كَثِيَابِهِمْ.
(وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَقِيلَ: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا - وَحُكِيَ رِوَايَةً - فَهُوَ غَنِيٌّ كَالْمُسْلِمِ، وَعَنْهُ: مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَهُوَ غَنِيٌّ.
(وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «ادْعُهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ) لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ

الصفحة 370