كتاب المبدع في شرح المقنع (اسم الجزء: 3)

الْمُسْلِمِينَ، وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ، وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ، وَلَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ. فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ، فَعَرَفَ قَدْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا، وَلَا يُشْتَطُّ عَلَيْهِمْ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا ضَرْبًا مِنَ الْمَصْلَحَةِ. (وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ حَقٌّ وَجَبَ فِعْلُهُ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ كَالْجِزْيَةِ. فَلَوْ شَرَطَ الضِّيَافَةِ وَأَطْلَقَ جَازَ. ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ كَالْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُكَلَّفُونَ إِلَّا مِنْ طَعَامِهِمْ وَإِدَامِهِمْ؛ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُمُ الشَّعِيرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ. وَالظَّاهِرُ: بَلَى لِلْخَيْلِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، فَهُوَ كَالْخُبْزِ لِلرَّجُلِ.
مَسْأَلَةٌ: تُقَسَّمُ الضِّيَافَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ فَإِنْ جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ جَازَ؛ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ قَدْرُهَا أَصْلَ الْجِزْيَةِ إِذَا قُلْنَا: هِيَ مُقَدَّرَةٌ؛ لِئَلَّا يَنْقُصَ خَرَاجُهُ عَنْ أَقَلِّهَا. (وَلَا تَجِبُ) الضِّيَافَةُ (مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا أَدَاءُ مَالٍ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ كَالْجِزْيَةِ (وَقِيلَ: تَجِبُ) بِغَيْرِ شَرْطٍ لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالْكَافِرِ.
فَعَلَى هَذَا تَجِبُ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ، فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا لَمْ تُعْقَدْ لَهُمُ الذِّمَّةُ، فَلَوْ قَبِلُوا، وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِالْقِتَالِ، قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا، انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ.

الصفحة 372