كتاب المبدع في شرح المقنع (اسم الجزء: 3)

جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَإِنْ بَانَ لَهُ كَذِبُهُمْ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ. وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ، كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَحُلَاهُمْ، وَدِينَهُمْ، وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ، أَوْ سَافَرَ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ، أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُجَدِّدُوا لِمَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ عَقْدًا، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ، وَعَقْدٌ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ قَوْلُهُ؛ فَعُرِفَ إِمَّا بِمُبَاشَرَتِهِ مِنْ قَبْلُ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " ثُبُوتَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) ذَلِكَ (رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ) فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُمْ، فَإِنِ اتَّهَمَهُمْ، فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (فَإِنْ بَانَ) أَوْ ظَهَرَ (لَهُ كَذِبُهُمْ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ (رَجَعَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّقْصِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لِلْإِمَامِ الْمُتَجَدِّدِ أَخْذُهُ كَالْأَوَّلِ. (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ، وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ بِاجْتِهَادِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ سَابِقٌ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". (وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ) فَيَقُولُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ. (وَحِلَاهُمْ) جَمْعُ حِلْيَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحِلْيَةُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ، وَسُمْرَةٍ وَبَيَاضٍ؛ أَدْعَجَ الْعَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، وَنَحْوِهَا. (وَدِينَهُمْ) أَيْ: يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُجَدَّدَ بِهِ (أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهِ (أَوْ سَافَرَ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مَعَ السَّفَرِ (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ) أَيْ: الذِّمَّةَ الْمَعْقُودَةَ لَهُ، (أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ) لِيَفْعَلْ فِيهِ الْإِمَامُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
خَاتِمَةٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ عَقْدِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَازَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ

الصفحة 373