كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 3)
أَعْدَاءَهُ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بيِّنَةٍ، وَيَحْيَاَ مَنْ حَيِ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، فَأَكْثِرُوا ذكر اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أنه خير الدنيا وما فيها [1] ، واعملوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ [2] ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبْيَنَ اللَّهِ يكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي الْحَقَّ [3] عَلَى النَّاسِ وَلا يَقْضُونَ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وأرخى الزِّمَامَ، فَجَعَلَتْ لا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا دَعَاهُ أَهْلُهَا إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: هَلُمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنْعَةِ.
فَيَقُولُ لَهُمْ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] : «خَلُّوا زِمَامَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» .
حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ، فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: سَهْلٌ، وَالآَخَرُ:
سُهَيْلُ ابْنَا عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبَتْ فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لا يُثْنِيهَا [بِهِ] [6] ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ [خَلْفَهَا] [7] ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا [8] أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ وَوَضَعَتْ جِرَانَهاَ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ عَنْهَا، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، فَدَعَتْهُ الأَنْصَارُ إِلَى النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ» .
فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِرْبَدِ: لِمَنْ هُوَ؟
فَأَخْبَرَهُ مُعَاذٌ وقال: هو ليتيمين لي وسأرضيهما.
__________
[1] «واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها» . ساقطة من تاريخ الطبري.
[2] في الطبري: «لما بعد الموت» .
[3] «الحق» : ساقطة من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 2/ 396، وألوفا 336، وابن هشام 1/ 495.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] في الطبري: «إلى مبركها» .
الصفحة 67