كتاب مرآة الجنان وعبرة اليقظان (اسم الجزء: 3)

أعايش؛ لولا أنني كنت طاوياً ... ثلاثاً لألقيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي والرماح تنوشه ... بآخر صوت اقتلوني ومالكا
فنجاه مني أكله وشبابه ... وخلوة جوف لم يكن متماسكا
وقيل إن عائشة رضي الله تعالى عنها أعطت البشارة على سلامة ابن الزبير من الأشتر
عشرة آلاف درهم، وان ابن الزبير قال: لاقيت الأشتر النخعي، وما ضربته ضربة إلا ضربني ستاً أو سبعاً. والله أعلم. رجعنا إلى ما كنا فيه. ثم إن الفرنج جاءتهم الأمداد من البحر، واستظهروا على المسلمين بعكا، فضاق المسلمون من ذلك، وعزموا على صلح الفرنج بأن يسلموا البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدة والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دينار وخمس مائة أسير مجاهيل ومائة أسير معينين من جهتهم، ويخرجوا بأنفسهم وما معهم سالمين من الأموال والأقمشة مختصة بهم، وذراريهم ونسأئهم، وكتبوا بذلك كتباً فلما علم السلطان أنكره إنكاراً عظيماً، وعظم عليه هذا الأمر وعزم على أن يكتب إليهم في الإنكار عليهم المصالحة على هذا الوجه، وبقي متردداً في هذا، فلم يشعر إلا وقد ارتفعت أعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد، وصاح الفرنج صيحة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حربهم، ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب. وذكر بعضهم أن الفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها، وساروا على الساحل - والسلطان وعساكره قبالتهم، وكان بينهم قتال عظيم، ونال المسلمين منه وهن شديد - فاستشار السلطان أرباب مشورته في خراب عسقلان خوفاً من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة، ويأخذ بها القدس، وينقطع بها طريق مصر، فاتفق رأيهم على ذلك، فشرع في خرابها، فلحق الناس من خرابها حزن عظيم، واشتد على أهل البلد ذلك، وعظم فراق أوطانهم، وشرعوا في بيع ما لا يقدورن على حمله، فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم، وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد، واختبط البلد وخرج الناس بأهلهم وأولادهم إلى المخيم، وتشتتوا، فذهب بعضهم إلى مصر وبعضهم إلى الشام وجرت عليهم أمور عظيمة. ثم وصل خبر من جانب الملك العادل أن الفرنج قد تحدثوا معه في الصلح، وطلبوا جميع البلاد الساحلية، فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لما علم ما في النفوس من الضجر، وكثرة ما هم عليهم من الديون. وكتب إليه بالإذن بذلك وتفويض الأمر إلى رأيه، وحث الناس على العجلة في الخراب المذكور خوفاً من هجوم الفرنج، وأمر بإحراق البلد، فأضرمت النيران في بيوته، وكان سورها عظيماً، ولم يزل الحريق يعمل في البلد من عشرين

الصفحة 348