كتاب مرآة الجنان وعبرة اليقظان (اسم الجزء: 3)

في شعبان إلى سلخه، وأمر ولده الملك الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه وخواصه. قال بعض الرواة: ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه للإحراق، ثم خرج إلى اللد وأمر بإخرابها وإخراب القلعة التي بالرمل، ففعل ذلك، والتمس بعض أكابر ملوك الفرنج أن يجتمع بالسلطان صلاح الدين بعدما اجتمع بأخيه الملك العادل، فاستشار صلاح الدين أصحابه من أكابر دولته في ذلك، فوقع الاتفاق على أن ذلك يكون بعد الصلح، ثم قال السلطان صلاح الدين: متى صالحنا هم لم نأمن غائلتهم، ولو حدث لي حادث الموت كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى على الفرنج، والمصلحة أن لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل، أو يأتينا الموت. ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح، وجرت وقعات كثيرة، ثم وقع الصلح بينهم، ثم أعطى العساكر الواردة عليه المنحدرة من البلاد البعيدة الدستور، فساروا عنه، وعزم على الحج لما فرغ باله من هذه الجهة، وتردد المسلمون إلى بلاد الفرنج، وجاؤوهم الى بلاد المسلمين، وحملت البضائع والمتاجر إلى البلدان، وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس، وتوجه السلطان إلى القدس، وأخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب، وابنه الملك الأفضل إلى دمشق، وأقام هو في القدس يقطع الناس ويعطيهم دستوراً، ويتأهب إلى المسير إلى الديار المصرية وانقطع عزمه عن الحج، ثم قوي عزمه على أن يدخل الساحل جريدة ويتفقد القلاع ويدخل دمشق ويقيم بها أياماً، ويعود إلى القدس ومنه الى الديار المصرية. وقال ابن خلكان: قال شيخنا ابن شداد: وأمرني بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي انشأها، فلما فرغ من افتقاده أحوال القلاع دخل دمشق وفيها أولاده: الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين وأولاده الصغار، وجلس للناس يوم الخميس السابع والعشرين من شوال سنة ثمان وثمانين وخمس مائة، وحضروا عنده وبلوا شوقهم منه، وأنشد الشعراء فلم يتخلف منه أحد من الخاص والعام، وأقام بنشر جناح عدله وبهطل سحاب إنعامه وفضله، ويكشف عن مظالم الرعاياء. عمل الملك
الأفضل دعوة للملك الظاهر أظهر فيها من الهمم المالية ما يليق بهمته، وسأل السلطان الحضور فحضر عند الغلبة، وكان يوماً مشهوداً. وسار الملك العادل فوصل إلى دمشق، فخرج السلطان إلى لقائه، وأقام يتصيده وأخوه وأولاده، ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الظباء - وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه - ونسي عزمه إلى مصر، وركب يوم الجمعة الخامس عشر صفر ليلقى الحاج، وكان ذلك آخر ركوبه. ولما كانت ليلة السبت وجد كسلاً عظيماً، غشيته الحمى في أثناء الليل، ولم يظهر ذلك للناس وأثرها ظاهر عليه، ثم أخذ المرض يتزايد إلى أن توفي بعد صلاة الصبح للسابع والعشرين من شهر صفر من السنة المذكورة في أول ترجمته. وكان يوم موته يوماً لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله بعد الخلفاء الراشدين، وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة عظيمة، ودفن بمقابر الشهداء بالباب الصغير. ولما أخرج تابوته ارتفعت الأصوات عند مشاهدته، وعظم الضجيج، وأخذ الناس في البكاء والعويل، وصلوا عليه إرسالاً، ثم أعيد إلى الدار التي في البستان، ودفن في الصفة الغربية منها على ما ذكره بعض المؤرخين وذكر بعضهم أنه بقي مدفوناً بقلعة دمشق إلى أن بنيت له قبة شمالية الكلاسة التي هي شمالي جامع دمشق، فنقل إليها في يوم عاشوراء - كان يوم الخميس من سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة - ورتب عنده القراء ومن يخدم المكان وأنشد في آخر سيرته بيت أبي تمام. ل دعوة للملك الظاهر أظهر فيها من الهمم المالية ما يليق بهمته، وسأل السلطان الحضور فحضر عند الغلبة، وكان يوماً مشهوداً. وسار الملك العادل فوصل إلى دمشق، فخرج السلطان إلى لقائه، وأقام يتصيده وأخوه وأولاده، ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الظباء - وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه - ونسي عزمه إلى مصر،

الصفحة 349