كتاب شرح الزركشي على مختصر الخرقي - العلمية (اسم الجزء: 3)


قال : وإذا اشترك في القتل صبي ومجنون وبالغ ، لم يقتل واحد منهم .
ش : هذا أيضاً هو المشهور من الروايتين ، والمختار لجمهور الأصحاب ، إذ عمد الصبي والمجنون في حكم الخطأ ، لعدم اعتبار قصدهما شرعاً ، وإذا القتل لم يتمحض عمداً عدواناً ، فلم يوجب القصاص ، كما لو كانا خاطئين وكقتل شبه العمد ، ( ونقل ابن منصور عن أحمد ) القصاص على البالغ دونهما ، وهو اختيار أبي بكر فيما حكاه القاضي ، وظاهر ما في التنبيه على ما تقدم انتفاء القود ، لأن فعله لو انفرد لأوجب فكذلك إذا وجد مع غيره إذ السقوط عن الغير لمعنى اختصّ به .
قال : وكان على العاقل ثلث الدية في ماله ، وعلى عاقلة كل واحد من الصبي والمجنون ثلث الدية ، وعتق رقبتين في أموالهما ، لأن عمدهما خطأ .
ش : أما وجوب الدية عليهم أثلاثاً فلأن ذهاب النفس حصل من فعلهم ، والنفس فيها دية ، وهم ثلاثة ، فكانت الدية عليهم أثلاثاً ، ولأن الدية بدل المحل المتلف ، بدليل اختلافها باختلافه ، والمحل واحد ، فديته واحدة ، وكذلك الحكم في المسألة السابقة ، إذا عدل الولي إلى طلب المال ، يجب على شريك الأب بقسطه ، كذا ذكره الشيخان ، وقد يقال : يجب على شريك الأب جميع الدية ، بناء على المذهب ، من أنه يقتل ، وعلى رواية أن الجماعة إذا قتلوا واحداً وجبت عليهم ديات ، انتهى . وأما كون ما يلزم العاقل يكون في ماله ، فلأن فعله عمد ، والعاقلة لا تحمل عمداً ، وأما كون ما يلزم الصبي والمجنون يكون على عاقلتهما ، فلأن فعلهما في حكم الخطأ ، والخطأ والحال هذه تحمله العاقلة ، فكذلك ما في حكمه .
وقد شمل كلام الخرقي الصبي العاقل وغيره ، وهو كذلك على المشهور ( وعن أحمد ) رواية أخرى في الصبي العاقل أن عمده في ماله ، نظراً إلى أن له قصداً صحيحاً في الجملة ، بدليل صحة صلاته ، ونحو ذلك ، وسقوط القصاص عنه كان لعدم جريان القلم الخطابي عليه ، انتظار تكامل عقله .
وأمّا كون على الصبي والمجنون عتق رقبتين في أموالهما ، فلأن الله سبحانه جعل في قتل الخطأ الدية والكفارة ، وهذا القتل جار مجرى الخطأ ، فأعطي حكمه ، وكان مقتضى قوله سبحانه : 19 ( { فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة } ) مع قوله : ( لا يجني جان إلا على نفسه ) أن ذلك على الخاطىء أو من بمعناه ، لكن قام الدليل أن الدية في ذلك على العاقلة فيبقى فيما عداه على مقتضى ما تقدم ، وهذا أيضاً هو المشهور عن أحمد ، بناء على أن على كل واحد من المشتركين كفارة ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن على الجميع كفارة واحدة ، فعلى هذه يكون على الصبي والمجنون ثلثي رقبة ، ونبه الخرقي بوجوب الكفارة على الصبي والمجنون بوجوبها على البالغ ، وقوله : لأن عمدهما خطأ ، تعليل لإسقاط القصاص في أصل المسألة ، وفي أن ما لزمهما يكون على عاقلتهما ، وفي لزوم الكفارة لهما .
____________________

الصفحة 16