كتاب شرح الزركشي على مختصر الخرقي - العلمية (اسم الجزء: 3)

تعالى : 19 ( { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ) ثم قال سبحانه وتعالى : 19 ( { واتقوا الله } ) أي إذا اقتصصتم ، وقال سبحانه : 19 ( { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ) فأباح لنا سبحانه أن نفعل مثل ما فعل بنا ، فإذا لم يمكن الاستيفاء إلا بحيف لم نفعل مثل ما فعل بنا ، بل زدنا عليه ، فلم نتق الله ، كما في الجناية المبتدأة ( الشرط الثاني ) أن يكون الجارح ممن يؤخذ بالمجروح لو قتله ، وذلك بأن يجرحه عمداً محضاً ، فلا قصاص في الخطأ إجماعاً ، وكذلك في شبه العمد على المذهب كالأنفس ، كما لو ضربه بحصاة لا يوضح مثلها ، فأوضحت ، وخالف أبو بكر وتبعه الشيرازي ، فأوجب القصاص في الجروح في شبه العمد ، كأن يضربه بشيء لا يقطع الطرف فيتلفه ، لعموم ( والجروح قصاص ) وهو منتقض بالخطأ ، وله أن يجيب بأنه خرج بالإجماع ، فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم ( الشرط الثالث ) التكافؤ بين الجارح والمجروح ، كما تقدم في قول الخرقي : ومن كان بينهما في النفس قصاص ، فهو بينهما في الجراح . ومقتضي كلام الشيخ أبي محمد أن قول الخرقي : ومن كان بينهماقصاص في النفس ، فهوبينهما في الجراح . وقوله بعد : إذا كان الجاني ممن يقاد من المجني عليه لو قتله ؛ معناهما واحد ، وقد يحمل أحدهما على التكافؤ ، والآخر على اشتراط العمدية ، دفعاً للتكرار ، وحذاراً من فوات شرط .
واعلم أن ظاهر كلام ابن حمدان في الرعاية الصغرى تبعاً لأبي محمد في المقنع أن المشترط لوجوب القصاص أمن الحيف ، وهو أخص من إمكان الاستيفاء بلا حيف ، والخرقي رحمه الله إنما اشترط إمكان الاستيفاء ، وتبعه على ذلك أبو محمد في المغني ، وأبو البركات ، وجعل أبو البركات أمن الحيف شرطاً لجواز الاستيفاء وهو التحقيق ، وعليه لو أقدم واستوفى ولم يتعد وقع الموقع فلا شيء عليه ، وكذا صرح أبو البركات ، وعلى مقتضى قول ابن حمدان ، وما في المقنع ، يكون جناية مبتدأة ، يترتب عليها مقتضاها .
قال : وكذلك إن قطع منه طرفاً من مفصل ، قطع منه مثل ذلك المفصل ، إذا كان الجاني ممن يقاد من المجني عليه لو قتله .
ش : لا نزاع في جريان القصاص في الأطراف ، وقد دلّ عليه قوله تعالى : 19 ( { والعين بالعين } ) إلى آخر الآية ، ويشترط لذلك ما تقدم ، وإمكان الاستيفاء هنا من غير حيف ، ( بأن يكون ) القطع من مفصل ، كالكوع والكعب ونحو ذلك ، ويلتحق بذلك ما له حد ينتهي إليه ، كمارن الأنف وهو ما لان منه ، فإن كان من غير مفصل ، كنصف الذراع ، ونصف الساق ونحو ذلك ، فلا قصاص من ذلك الموضع بلا ريب ، حذاراً من الحيف الممنوع منه شرعاً .
وهل يقتص من المفصل الذي دونه ، كالكوع والكعب ، لرضاه بدون حقه ، أشبه ما لو رضى صاحب الصحيحة بالشلاء ، أو تتعين الدية ، وهو المنصوص ، واختيار أبي
____________________

الصفحة 22