كتاب شرح الزركشي على مختصر الخرقي - العلمية (اسم الجزء: 3)

دية يده بلا ريب ، وبين أن يأخذ الشلاء بيده الصحيحة لرضاه بدون حقه ، أشبه ما لو رضي المسلم بالقصاص من الذمي ، والحر من العبد ، ويشترط لذلك ما تقدم من إمكان الاستيفاء من غير حيف ، بأن يقول أهل الخبرة : إنا نأمن من قطعها التلف ، أما إن قالوا إنه إذا قطعها لم يأمن أن لا تستد العروق ، ويدخل الهواء إلى البدن فيفسده فلا قصاص ، حذاراً من الحيف الممنوع منه شرعاً ، وإذا أخذت الشلاء بالصحيحة بشرطه فلا شيء للمقتص على المذهب ، لئلا يجمع في العضو الواحد بين القصاص والدية ، واختار أبو الخطاب في هدايته أن له الأرش ، وقد بقي من تقاسيم مسألة اليدين إذا كانتا صحيحتين وهو واضح ، وإذا كانتا أشلتين ، والقصاص جار فيهما بشرط أمن الحيف ، والله أعلم .
قال : وإذا قتل وله وليان بالغ وطفل ، أو غائب لم يقتل حتى يقدم الغائب أو يبلغ الطفل .
ش : هذا هو المذهب المنصوص بلا ريب ، حتى أن أبا محمد في الكافي لم يذكر غيرها .
2947 لقول النبي : ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا الدية ) أضاف القتل إلى اختيار جميع الأهل ، والصغير والمجنون من جملتهم ، فإذا لم يوجد منهم الاختيار لم يجز القتل ، وحكى ابن حمدان في رعايته الصغرى رواية بأن من حضر له الاستيفاء وعممها ، وخصها الشيخان ومن رأينا كلامه بالصبي والمجنون ، وجعلوا الغائب أصلاً قاسوا عليه المذهب ، قال القاضي وأتباعه : قود ثابت لجماعة معينين ، لم يتحتم استيفاؤه ، فلم يجز لبعضهم أن ينفرد باستيفائه ، أصله إذا كان بعضهم غائباً ؛ واحترزوا ( بمعينين ) عمّا إذا لم يكن له وارث ، فإن للإمام الاستيفاء ، مع أن القود للمسلمين ، وفيهم الصغير والمجنون ، ( ولم يتحتم استيفاؤه ) عن قطاع الطريق إذا قتلوا من في ورثته صغير أو مجنون ، فإنهم يقتلون من غير انتظار .
واعلم أن أصل هذه الرواية أخذها القاضي من قول أحمد في رواية ابن منصور في يتيتم قطعت يده فوليه بالخيار ، إن شاء الدية ، وإن شاء القود ، أرأيت إن مات قبل أن يندمل ، ووجه الأخذ أن أحمد جوز للولي القصاص ، ويلزم منه سقوط تشفي الصغير ، فكذلك هنا ، إذ غايته سقوط التشفي ، والعجب أن القاضي لم يذكر هذه الرواية في محلها ، بل خرج ثم على معنى هنا ، وبالجملة وجه هذه الرواية أن الصغير والمجنون في حكم المعدومين ، ولأن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم قصاصاً ، وفي الورثة صغار ، فلم ينكر عليه ، وأجيب بوجهين ( أحدهما ) أنه إنما قتله لكفره ، لأنه قتل علياً كرم الله وجهه مستحلاً لدمه ، كما هو مذهب الخوارج ، ومن استحل ذلك كفر ، وقد قال خبيثهم عمران بن حطان قبحه الله في ذلك يمدح قاتله :
يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً

____________________

الصفحة 26