كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 3)

أفأقضيها متفرقات؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدرهم فالدرهم أما كان يجزيك؟ قال: بلى. قال: فالله أحق أن يعفو ويصفح.
وإذا جاز هذا التفريق في صوم رمضان ففي غيره أولى، وأيضا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
مسألة: من صام ستة أيام عن يمينين أجزأته ولا حاجة الى تعيين إحدى الثلاثتين لإحدى اليمينين لأن الواجب عن كل منهما ثلاثة أيام وقد أتى بها فيخرج عن العهدة ذلِكَ المذكور كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم فحذف ذكر الحنث للعلم بأن الكفارة لا تجب بمجرد الحلف، وللتنبيه على أن الكفارة لا يجوز تقديمها على اليمين، وأما بعد اليمين وقبل الحنث فيجوز وبه قال مالك والشافعي وأحمد موافقا لما
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا فكفر عن يمينك ثم ائت بالذي هو خير» «1» .
ولأن الكفارة حق ماليّ يتعلق بسببين فجاز تعجيله بعد وجود أحد السببين كتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب. هذا إذا كان يكفر بغير الصوم، أما الصوم فلا يجوز تقديمه لأن العبادات البدنية لا تقدّم على وقتها إذا لم تمس إليه حاجة كالصلاة وصوم رمضان، ولأن الصوم إنما يجوز التكفير به عند العجز عن جميع الخصال المالية، وإنما يتحقق العجز بعد الوجوب وإن كان الحنث بارتكاب محظور كأن حلف أن لا يشرب الخمر أجزأه التكفير قبل الشرب أيضا لوجود أحد السببين. والتكفير لا يتعلق به استباحة ولا تحريم بل المحلوف عليه حرام قبل اليمين وبعدها وقبل التكفير وبعده لا أثر لهما فيه. جميع ما ذكرنا ظاهر مذهب الشافعي، أما عند أبي حنيفة وأصحابه فلا يجوز التكفير قبل الحنث مطلقا. وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ قللوها ولا تكثروا منها، أو احفظوها إذا حلفتم عن الحنث، وعلى هذا تكون الإيمان مختصة بالتي الحنث فيها معصية كمن حلف أن لا يشرب الخمر بخلاف ما لو حلف ليشربن فإنه لا يؤمر حينئذ بالحفظ عن الحنث. وقيل: احفظوها بأن تكفروها أو المراد لا تنسوها تهاونا بها كَذلِكَ مثل ذلك البيان الشافي يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ أحكامه وأعلام شريعته لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة البيان وتسهيل المخرج من الحرج.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأيمان باب 1. مسلم في كتاب الأيمان حديث 7. أبو داود في كتاب الأيمان باب 14. النسائي في كتاب الأيمان باب 15. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 7. أحمد في مسنده (4/ 398) .

الصفحة 11