كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 3)

@ 452 @
أيام أمر أصحابه أن يتقدموا فوجا فوجا ثقة منه بما نال من العدو وأنه لم يبق أحد يخشاه وسار إلي تهوذا لينظر إليها في نفر يسير فلما رآه الروم في قلة طمعوا فيه فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلي الإسلام فلم يقبلوا منه
$ ذكر خروج كسيلة بن كمرم البربري علي عقبة $
هذا كسيلة بن كمرم البربري كان قد أسلم لما ولي أبو المهاجر إفريقية وحسن إسلامه وهو من أكابر البربر وأبعدهم صوتا وصحب أبا المهاجر فلما ولي عقبة عرفه أبو المهاجر محل كسيلة وأمره بحفظه فلم يقبل واستخف به وأتي عقبة بغنم فأمر كسيلة بذبحها وسلخها مع السلاخين فقال كسيلة هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني المؤنة فشتمه وأمره بسلخها ففعل فقبح أبو المهاجر هذا عند عقبة فلم يرجع فقال له أوثق الرجل فإني أخاف عليك منه فتهاون به عقبة فأضمر كسيلة الغدر
فلما كان الآن ورأي الروم قلة من مع عقبة فأرسلوا إلي كسيلة وأعلموه حاله وكان في عسكر عقبة مضمرا للغدر وقد أعلم الروم ذلك وأطمعهم فلما راسلوه أظهر ما كان يضمره وجمع أهله وبني عمه وقصد عقبة فقال أبو المهاجر عاجله قبل أن يقوي جمعه وكان أبو المهاجر موثقا في الحديد مع عقبة فزحف عقبة إلي كسيلة فتنحي كسيلة عن طريقه ليكثر جمعه فلما رأي أبو المهاجر ذلك تمثل بقول أبي محجن الثقفي
( كفى حزنا أن ترتدي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا )
( إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ... مصارع من دوني تصم المناديا )
فبلغ عقبة ذلك فأطلقه فقال له الحق بالمسلمين وقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة فلم يفعل وقال وأنا أيضا أريد الشهادة فكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم وتقدموا إلي البربر وقاتلوهم فقتل المسلمون جميعهم لم يفلت منهم أحد وأسر محمد بن أوس الأنصاري في نفر يسير فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلي القيروان فعزم زهير بن قيس البلوي علي القتال فخالفه جيش الصنعاني وعاد إلي مصر فتبعه أكثر الناس فاضطر زهير إلي العود معهم فسار إلي برقة وأقام بها وأما كسيلة فاجتمع إليه

الصفحة 452