كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 3)

@ 456 @
ليزيد إن لك من أهل المدينة يوما فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته فلما خلع أهل المدينة أمر مسلما بالمسير إليهم فنادي في الناس بالتجهز إلي الحجاز وأن يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار فانتدب لذلك اثنا عشر ألفا وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلد سيفا متنكب قوسا عربية وهو يقول
( ألغ أبا بكر إذا الليل سري ... وهبط القوم علي وادي القري )
( أجمع سكران من القوم تري ... أم جمع يقظان نفي عنه الكري )
( يا عجبا من ملحد يا عجبا ... مخادع بالدين يعفو بالعري )
وسار الجيش وعليهم مسلم فقال له يزيد إن حدث بك حدث فاستخلف الحصين بن نمير السكوني وقال له ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا فإنه لم يدخل مع الناس وإنه قد أتاني كتابه وقد كان مروان بن الحكم كلم ابن عمر لما اخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية في أن يغيب أهله عنده فلم يفعل فكلم علي بن الحسين فقال إن لي حرما وحرمي يكون مع حرمك فقال أفعل فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان وحرمه إلي علي بن الحسين فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلي ينبع وقيل بل أرسل حرم مروان وأرسل معهم ابنه عبد الله بن علي إلي الطائف ولما سمع عبد الملك بن مروان أن يزيد قد سير الجنود إلي المدينة قال ليت السماء وقعت علي الأرض إعظاما لذلك ثم إنه ابتلي بعد ذلك بأن وجه الحجاج فحصر مكة ورمي الكعب بالمنجنيق وقتل ابن الزبير
وأما قتل ابن الزبير فإنه أقبل بالجيش فاشتد حصارهم لبني أمية بدار مروان وقالوا والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه أن لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا علي عورة ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا فعاهدوهم علي ذلك فأخرجوهم من المدينة وكان أهل المدينة قد جعلوا في كل منهل بينهم وبين الشام زقا من قطران فأرسل الله السماء عليهم

الصفحة 456