كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 3)

لابد لذلك مِن تكوينِ صورةٍ نمطيةٍ ذهنيةٍ بشعةٍ عن الإسلام ناحيةٍ، وعن نبيِّ الإسلام من ناحيةٍ أخرى لتحقيق ذلك.

° يجبُ الفصلُ هنا بين رؤيتين -كما يرى المفكِّرُ هشام جعيط-:
الأولى: هي رؤيةُ العالَم الشعبي.
والثانية: هي رؤيةُ العالَم المدرسي.
الأولى تغذَّت من الحروب الصليبية، والثانيةُ من المواجهةِ الإسلاميةِ المسيحيةِ في أسبانيا، واحدةٌ انتشرت على المستوى الخيالي، والأخرى على المستوى العقلاني، في الأدب الشعبيِّ كان المسلمون وَثنيِّين، ومحمدٌ ساحرًا وشخصًا فاسدًا وزعيمَ شعبٍ فاسد، "وأغنية رولاند" Roland التي تمثِّلُ -مِن وِجهةِ النظرِ الفرنسية- ملحمةَ الصراع مع المسلمين، بدَورها تقدِّمُ العَرَبَ على أنهم وثنيون، وهي تَخلطُ الملحميَّ بالخيالي.
بالمقابل في الرؤيةِ المتبحِّرةِ هناك معرفةٌ سابقة، ولكنَّ الغَطرسةَ والنوايا السيئةَ لم تُفِد في أن يكونَ التعبيرُ عن هذه المعرفةِ مُنصِفًا أو دقيقًا.
لقد استمرَّ بناءُ هذه الصورةِ النمطيةِ الكريهةِ عن الإسلام طُوالَ الألفِ عامٍ الماضيةِ بشكل دؤوب ومستمرٍّ لم يَنقطع إلاَّ في فتراتٍ محدودةٍ للغاية، ولم تُخالِفْه أو تَعترضْ عليه إلاَّ دوائرُ ثقافيةٌ وفكريةٌ صغيرةٌ وغير مؤثِّرةٍ في الموقفِ الفكريِّ الأوروبي.
لذلك يمكن القول: إنَّ التصوراتِ الغربيةَ المعاصرةَ حولَ دين المسلمين، لم تتكونْ وترتسمْ في صفحةٍ بيضاءَ خاليةٍ، وإنما انعَكست في مرآةٍ قديمةٍ مشوَّهة؛ إذ إن سكانَ أوروبا المعاصرة وَرِثوا عن أسلافِهم مِن

الصفحة 579