كتاب وا محمداه إن شانئك هو الأبتر (اسم الجزء: 3)

تُحبَّ خيرَ خَلقِ الله - صلى الله عليه وسلم -، نعم نحنُ نؤمنُ برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونراه قائدًا وهاديًّا ورسولاً .. ولكننا أيضًا -وفوقَ كلِّ ذلك- نَحبُّه حبًّا كبيرًا ومختلِفًا عن كلِّ معاني الحبِّ التي تربطُ الغربيين بحُكَّامهم، أو حتى أنبيائهم.
بل إن العجيبَ في الأمر -والذي يؤكِّدُ مرضَ الغرب- أننا -نحن المسلمين- نحبُّ أنبياءَهم أكثَرَ من حُبِّهم هم لهم، فليس من الممكن أن تَسمعَ مسلمًا يَهزأُ بالمسيح عليه السلام، ولا يُمكنُ أن تَجِدَ أيَّ فردٍ من أفراد هذه الأمة العربيةِ والإسلاميةِ يَسخَرُ من نبيِّ الله موسى عليه السلام، إنهم أنبياءُ نؤمنُ بهم ونُوقِّرُهم، والأهمُّ في كلِّ ذلك -في هذا السياق- أننا حقًّا نحبُّهم، لَيتَهم في الغربِ يَعرفون ماذا يعني هذا الحبُّ؟! وكم هو جميلٌ أن تكونَ مُحِبًّا .. وأن تحيا بالعاطفة، وليس بالمصلحةِ أو المنفعة. لكنَّ الحُبَّ يُفرِزُ أيضًا عاطفةً مضادةً وهي الكُرْه، وهنا يمكنُ أن نَجِدَ تفسيرًا لحماسِ مفكِّري الغرب في الهجوم على ظاهرةِ حُبِّنا الشديدِ لنبيِّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فالحبُّ عاطفةٌ جياشة، وكأيِّ عاطفةٍ، فإنها تَحمِلُ دائمًا ضِمنَ عناصرِها نَقيضَها -وهو الكُرْه-، إن مَن يعرفُ كيف يُحب .. يتيقَّنُ أيضًا كيف يكره.
إننا أُمةٌ نحاولُ دائمًا أن نَربِطَ العاطفةَ بمعاييرِ الدينِ والأخلاق، ونحاولُ كذلك أن نتحكَّمَ في الكراهيةِ لكي تنضبطَ ضِمنَ أُطُرِ الدينِ والقانونِ والأعرافِ، ولكننا لا نحاولُ أبدًا أن نتخلَّص منهما، بل إن الدينَ الإسلاميَّ الذي يَحُثُّ على الانضباطِ والتقيُّدِ في الحب .. هو نفسُ الدين الذي يَرى أن الكُرهَ عاطفةٌ بشريةٌ لا يمكن القضاءُ عليها, ولكن يجبُ أن

الصفحة 613