ووصل ذلك بما أشبهه، فضحك المتوكل، وضرب برجله اليسرى، وقال:
ادفعوا إلى أبى العنبس عشرة آلاف درهم. فقال له الفتح بن خاقان: يا سيدى فالبحترىّ الذى هجى وأسمع المكروه ينصرف خائبا؟ فقال: يدفع إليه عشرة آلاف درهم. فقال: سيدى، فهذا البصرىّ الذى أشخصناه من بلده لا يشركهم فيما حصّلوه! قال: ويدفع إليه أيضا عشرة آلاف درهم. قال: فانصرفنا فى ساعة الهزل بثلاثين ألف درهم، ولم ينفع البحترىّ جدّه ولا اجتهاده وتقدّمه.
وذكر أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى فى كتابه المقتبس: «أن السبب فى تلقيبه بالمبرّد أن المبرّد قال: كان سبب ذلك أن صاحب الشّرطة طلبنى للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت على أبى حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ، فجاء رسول الوالى يطلبنى، فقال لى أبو حاتم: ادخل فى هذا- يعنى غلاف مزمّلة [1] فارغ- فدخلت فيه، وغطّى رأسه، ثم خرج إلى الرسول فقال:
ليس هو عندى، فقال: أخبرت أنه دخل إليك. قال: فادخل الدار وفتّشها، فدخل وطاف فى كل موضع فى الدّار، ولم يفطن لغلاف المزمّلة، ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفّق وينادى على المزمّلة: المبرّد المبرّد! وتسامع الناس بذلك فلهجوا به [2]».
ذكر محمد بن يحيى أن أبا العباس المبرد مات يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين. وفيها مات البحترىّ فى المحرّم.
__________
[1] المزملة: التى يبرد فيها الماء.
[2] وقال ياقوت: «إنما لقب بالمبرد لأنه لما صنف المازنى كتاب الألف واللام سأله عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب، فقال له المازنىّ: قم فأنت المبرّد (بكسر الراء) أى المثبت للحق، فحرفه الكوفيون ففتحوا الراء.