كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)

صفحة رقم 423
الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) 73
( ) 71
ولما بين تعالى دأبهم استعجالهم بالخير ، وكان منه استكشاف الضر ، بينَ أن حالهم عندهالاعتراف ، وشكرهم على النجاة منه افنكار الآراء وسلامة الطباع ، فالحاصل أن الانسان عند البلاء غير شاكر ، فكأنه قيل : فإذا مس الإنسان منهم الخير كان في غفلة بالفرح والأشر والمرح ) وإذا مسَّ الإنسان ( منهم ) الضر ( وإن كان من جهة يتوقعها لطغيان هو فيه ولا ينزع عنه خوفاً مما يتوقعه من حلول الضر لشدةة طغيانه وجهله ) دعانا ( مخلصاً معترفاً بحقنا عالماً بما لنا من كمال العظمة عاملاً بذلك معرضاً عما ادعاه شريكاً لنا كائناً ) لجنبه ) أي مضطجعاً حال إرادته للراحة ، وكأنه عبر باللام إشارة إلى أن ذلك أسر أحواله إليه ) أو قاعداً ) أي متوسطاً في احواله ) أو قآئماً ) أي في غاية السعي في مهماته ، لا يشغله عن ذلك شيء في حال من الأحوال ، بل يكون ظرف المس بالضر ، قال : لجنبيه ، إشارة إلى استحكام الضر وغلبته بحيث لا يستطيع جلوساً كما يقال : فلان لما به ، وأشار بالفاء إلى قرب زمن الكشف فقال : ( فلما كشفنا ) أي بما لنا من العظمة ) عنه ضره ) أي الذي دعانا لأجله ) مرّ ) أي في كل ما يريده لاهياً عنا بكل اعتبار ) كأن ) أي كأنه ) لم يدعنآ ) أي على ما كان يعترف به وقت الدعاء من عظمتنا ؛ ولما كان المدعو يأتي إلى الداعي فيعمل ما دعاه لأجله قال : ( إلى ) أي كشف ) ضر مسه ) أي كأن لم يكن له نبا معرفة أصلاً فضلاً عن ان يعترف بانا نحن كشفنا عنه ضره ، فهذه الآية في بيان ضعف الإنسان وسوء عبوديته ، والتي قبلها في بيان قدرة الله وحسن ربوبيته ؛ والمسُ : لقاء من غير فصل ؛ والدعاء : طلب الفعل من القادر عليه ؛ والضر : إيجاب الألم أو السبب المؤدي إليه .
ولما كان هذا من فعل الإنسان من أعجب العجب. كان كأنه قيل : لم يفعل ذلك ؟ فقيل : لما يزين له من الأمور التي يقع بها الاستدراج لإسرافه .
وهذا دأبنا أبداً ) كذلك ) أي مثل هذا التزيين العظيم الرتبة ؛ ولما كان الضار مطلق التزيين ، بنى للمفعول قوله : ( زين للمسرفين ) أي كلهم العريقين في هذا الوصف ) ما كانوا ) أي بجبلاتهم ) يعملون ) أي يقبلون عليه على سبيل التجديد والاستمرار من المعصية بالكفر وغيره مع ظهور فساده ووضوح ضرره ؛ والإسراف : الإكثار من الخروج عن العدل .
ولما كان محط نظرهم الدنيا ، وكان هذا صريحاً في الإمهال للظالمين والإحسان إلى المجرمين ، اتبعه بقوله تعالى مهدداً لهم رادعاً عما هم فيه من اتباع الزينة مؤكداً

الصفحة 423