كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 425
ولما تقدم أن من قضى بشقاوته لا يتأتى إيمانه بأية من الآيات حتى تنزل به سطوته وتذيقه بأسه ونقمته .
وكان القرآن أعظم آية أنزلت إلى الناس لما لا يخفى .
أتبع ذلك عطفاً على قوله ) قال الكافرون إن هذا لسحر مبين ( بقوله بياناً لذلك : ( وإذا تتلى ( بناه للمفعول إيذاناً بتكذيبهم عند تلاوة أي تالٍ كان .
وأبداه مضارعاً إشارة إلى أنهم يقولون ذلك ولو تكررت التلاوة ) عليهم ) أي على هؤلاء الناس ) آياتنا ) أي على ما لها من العظمة بإسنادها إلينا ) بينات ( فإنه مع ما اشتمل عليه مما لزمهم به الإقرار بحقيقة قالوا فيه ما لامعنى له إلا التلاعب والعناد ، ويجوز عطفه على ) ثم جعلناكم خلائف ( - الآية - والالتفات إلى مقام الغيبة للإيذان بأنهم للإعراض لإساءتهم الخلافة ، والموصول بصلته في قوله : ( قال الذين لا يرجون لقآءنا ( في موضع الضمير تنبيهاً على أن هذا الوصف علة قولهم ، ولعله عبر بالرجاء ترغيباً لهم لأن الرجاء محط أمرهم في طلب تعجيله للخير ودفعه للضمير. فكان من حقهم أن يرجوا لقاءه تعالى رغبة في مثل ما أعده لمن أجابه ، ولوح إلى الخوف بنون العظمة ليكون ذلك أدعى لهم إلى الإقبال ) ائت ) أي من عندك ) بقرآن ) أي كلام مجموع جامع لما تريد ) غير هذا ( في نظمه ومعناه ) أو بدله ) أي بألفاظ أخرى والمعاني باقية وقد كانوا عالمين ( صلى الله عليه وسلم ) مثلهم في العجز عن ذلك ولكنهم قصدوا أنه يأخذ في التعبير حرصاً على إجابة مطلوبهم فيبطل مدعاه أو يهلك .
ولما كان كأنه قيل : فماذا أقول لهم ؟ قال : ( قل ما يكون ) أي يصح ويتصور بوجه من الوجوه ) لي ( ولما كان التبديل يعم القسمين الماضيين قال : ( أن أبدله ( وقال : ( من تلقاء ) أي عند وقبل ) نفسي ( إشارة إلى الرد عليهم في إنكار تبديل الذي أنزله بالنسخ بحسب المصالح كما أنزل أصله لمصلحة العباد مع نسخ الشرائع الماضية به ، فأنتج ذلك قطعاً قوله : ( أن أتبع ) أي بغاية جهدي ) إلاّ ما ( ولما كان قد علم أن الموحي إليه الله قال ) يوحى إلي ( اي سواء كان بدلاً أو أصلاً ؛ ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لإنكارهم مضمونه : ( إني أخاف ) أي على سبيل التجدد والاستمرار ) إن عصيت ربي ) أي المحسن إليّ والموجد لي والمربي والمدبر بفعل غير ما شرع لي ) عذاب يوم عظيم ( فإني مؤمن به غير مكذب ولا شاك كغيري ممن يتكلم من الهذيان بما لا يخاف عاقبته في ذلك اليوم ، وإذا خفته - مع تم ما دفع به مكرهم في طعنهم ، اتبعه بعذره ( صلى الله عليه وسلم ) في الإبلاغ على وجه يدل قطعاً على انه كلام الله وما تلاه إلاّ بإذنه فيجتث طعنهم من أصله ويزيله بحذافيره فقال : ( قل ( اي لهم معلماً أنه سبحانه إما أن يشاء