كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 3)
صفحة رقم 427
عابدين ) من دون الله ) أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال الذي ثبت عندهم أن هذا القرآن كلامه لعجزهم عن معارضة شيء منه وهو ينهاهم عن عبادة غير وهم يعلمون قدرته على الضر والنفع .
ولما كان السياق للتهديد والتخويف ، قدم الضر لذلك وتنبيهاً لهم على انهم مغمورون في نعمه التي لا قدرة لغيره على منع شيء منها ، فعليهم ان يقيدوها بالشكر فقال : ( مالا يضرهم ( اي أصلاًمن الأصنام وغيرها ) ولا ينفعهم ( في معارضة القرآن معاقباً على المعصية وإلا كانت عبادته عبثاً ، معرضين عما جاءهم من الآيات البينات من عند من يعلمون أنه يضرهم وينفعهم ولا يملك شيئاً من ذلك أحد سواه ، وقد أقام الأدلة على ذلك غير مرة ، وفي هذا غاية التبكيت لهم بمنابذة العقل مع غدعائهم رسوخ الأقدام فيه وتمكن المجال منه ؛ والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ؛ ثم عجب منهم تعجباً آخر فقال : ( ويقولون ) أي لم يكفهم قوله ذلك مرة من الدهر حتى يجددوا قوله مستمرين عليه : ( هؤلاء ) أي الأصنام أو غيرهم ) شفعاؤنا ) أي ثابته شفاعتهم لنا ) عند الله ) أي الملك الأعظم الذي لا يمكن الدنو من شيء من حضرته إلا بإذنه ، وقد تخجيلهم في العجز عن تبديل القرآن أو الإتيان بشيء من مثله حيث لم تنفعهم فيذلك فصاحتهم ولا أغنت عنهم شيئاً بلاغتهم ، وأعوزهم في شأنه فصحاءهم ، وضل عنهم شفعاءهم ، فدل ذلك قطعاً على أنه ما من شفيع إلا بإذنه من بعد ، فكأنه قال : بماذا أجيبهم ؟ فقال : ( قل ( منكراً عليهم هذا العلم ) أتنبئون ) أي تخبرون إخباراً عظيماً ) الله ( وهو العالم بكل شيء المحيط بكل كمال ) بما لا يعلم ) أي لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات ) في السموات ( ولما كان الحال مقتضياً لغاية الإيضاح ، كرر النافي تصريحاً فقال : ( ولا في الأرض ( وفي ذلك من الاستخفاف بعقولهم مما لا يقدرون على الطعن فيه بوجه ما يخجل الجماد ، فإن ما لا يكون معلوماً لله لا يكون له وجود اصلاً ، فلا نفى أبلغ من هذا كما أنك إذا بالغت في نفي شيء عن نفسك تقول : هذا شيء ما عمله الله مني .
ولما بين تعالى هنا ما هم عليه من سخافة العقولوركاكة الآراء ، ختم ذلك بتنزيه نفسه بقوله : ( سبحانه ( اي تنزه عن كل شائبة نقص تنزهاً لا يحاط به ) وتعالى ) أي وفعل بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال فعل المبالغ في التنزه ) عما يشركون ) أي يوجدون الإشراك به